صناعة الإعلان والعمل به: اعتقادات خاطئة ونصائح قبل دخول المجال
كنت أعشق مجال الإعلانات بما فيه من الأفكار المبدعة والجمل الترويجية – taglines/slogans وكنت في صغري انتظر الفاصل الاعلانى و كنت اهوى اللوحات الاعلانية العملاقة على الكبارى لكى استمتع بأفكارها والصور المبهرة عليها واحللها أيضاً (ربما الزحام على الطرق والكبارى يجعلنا نرتبط عاطفياً مع هذه اللوحات الجميلة من باب انها افضل شيء وسط الملل والزحام!) وتخيلت مثل الكثير انى احب العمل في هذا المجال لكن من خبرتي وعملي في التسويق وصلت لأن الإعلان ليس مجالى المفضّل وان الاستمتاع بمجال ما من الخارج مختلف كثيراً عن العمل به.
لو انت جديد في المجال وترى أنك تحب التسويق لان تعشق الأفكار الاعلانية، فهذه النقاط سوف تصلح بعض المعتقدات الخاطئة لدى الكثير عن مجال الإعلان والعمل به.
الشركات الكبيرة لا تصنع إعلانات و لا تستطيع حتى إخراج إعلان واحد مبدع
هذه حقيقة بديهية لمن يعمل في التسويق ولو لفترة قصيرة للغاية، لكنها تكون غائبة عن الجُدد في المجال.
الشركات الكبيرة ليس لديها موارد ولا إمكانيات ولا فريق تصوير وإخراج وكتابة إعلان لكي تطور إعلاناتها بنفسها، ولكنها تستعين بشركة متخصصة في مجال الإعلان – Advertising Agency تقوم بعمل الحملة الترويجية بشكل كامل، بما فيها الجزء الخاص بالإعلان (بالطبع هى شركات غنية ولديها موارد عموماً لكن أتحدث هنا عن موارد وقدرات اعلانية متخصصة).
هناك شركات اعلان وهناك شركات PR وهناك الاثنان معاً (وكالة اعلان وعلاقات عامة)، وهناك شركات تسويق، واياً كان التوصيف والعنوان لهذه الوكالة الاعلانية فهى تكون مسئولة عن الأنشطة الترويجية والإعلانية للشركات الكبرى، ويكون لدى الشركة الكبرى مسئولي تسويق يتابعون الحملات و الميزانيات المخصصة لها وأهدافها المطلوبة والمحققة وغيرها من الأمور المتعلقة بالحملة مع وكالة الإعلان.
أقصد هنا بكلمة شركات كبيرة الشركات الضخمة الشهيرة التي يتمنى الكثير العمل بها مثل الشركات الاستهلاكية الكبرى (كرافت فودز – بيبسى – كوكاكولا – P&G- نستله .. الخ) وشركات السيارات والعقارات والفنادق وغيرها من الشركات الكبرى في المجالات المختلفة.
بالتالى اذا كانت تعجبك إعلانات بيبسي في رمضان فقررت فجأة أن حلم حياتك العمل بالتسويق في شركة بيبسى فأنت لم تفهم الأمر بعد، لان بيبسى تعطى حملتها الترويجية لأحدى وكالات الإعلان، و ربما تغيّر وكالة الإعلان بعد هذه الحملة مباشرة، لذلك فبشكل أكثر دقة انت تريد العمل في وكالة إعلانات ضخمة وليس شركة ضخمة تخرج إعلانات رائعة.
أفكارك المبدعة ليس كافية للنجاح في مجال الإعلان.. وسأقول لك الأسباب..
التفكير والتنفيذ مرتبطان مع بعض في اغلب الحملات الإعلانية
سأشرح لك ذلك..
هناك ما يسمى كاتب النصوص الإعلانية –Copywriter تكون مسئوليته كتابة اى نصوص ترويجية وإعلانية تطلبها الشركات، وهو شخص مبدع في الكتابة، يعرف انتقاء الكلمات، لديه قدرة لغوية كبيرة، وايضاً قدرة على التخيل وإخراج أفكار إعلانية مبتكرة، بجانب فهمه لمجال التسويق وللصناعة والمجال الذي سيكتب فيه النصوص الترويجية، فهو يفهم طبيعة سلوك المشترى وكيف ولماذا يتخذ قرار الشراء، اذا كنت كاتب نصوص إعلانية ولا تفهم التسويق فسوف يضيع جهدك في الهواء.
ثم هناك المخرج الفني – Creative/ Art Director وهو المسئول عن خروج الفكرة الإعلانية والمحتوى الاعلانى المُصمّم كتابة الى شكل فنى مبدع يراه ويستمتع به الناس.
هذا على الورق.. لكن في الحقيقة صعب جداً أن نفصل الدورين عن بعضهم، وهذه ربما تكون نقطة فيصلية لك لاتخاذ قرار عمل في مجال الإعلان من عدمه، وذلك لأن الكثير جداً يعتقد انه عبقرى إعلانات بمجرد ان يكون لديه بعض الأفكار الاعلانية المقترحة لشركة من الشركات، لكن في الحقيقة إذا لم تستطع نقل الأفكار و المحتوى الإعلانى الذى تمتلكه الى صورة وفيديو يراه الناس فأنت غير مفيد.
بعض المتخصصين في المجال يقولون يجب ان تكون كاتب محتوى إعلاني حتى تصل الى مرحلة المخرج الفني للاعلانات، وأنا أقول العكس، يجب أن تمر على الإخراج الفني للاعلانات حتى تصبح كاتب محتوى إعلاني معروف، وفى الحالتين يجب ان تعرف ان التخصصين مرتبطان مع بعض.
عندما كنت اعشق هذا المجال الإعلاني وأتمنى العمل به، كانت النقطة المفصلية بالنسبة لى، انى اردت في يوم من الأيام تنفيذ بوستر اعلانى بفكرة رأيت انها مبدعة، و بدأت على برنامج الديزاين أحاول إخراج الفكرة فلم استطع، كما اني لم احب فكرة ان اعمل على برامج ديزاين ولا أحب الإخراج الفني.
تأتي المرحلة الأخرى بعد أن تعجز عن تنفيذ فكرتك الاعلانية بنفسك، وهي ان تعطي أحدهم فكرتك لينفذها لك، ولن يحدث هذا إلا في ظروف نادرة جداً، ويكون بينكم توافق و(كيمياء) كبيرة جداً حتى يفهم المخرج الفني ما تريد تنفيذه، وينفذه لك كما تريد وربما أفضل، وهذا يحدث بالتأكيد، لكنه نادر، لانك سوف تمتلك في عقلك تفاصيل للفكرة وتخيل لا تستطيع نقله تماماً كما تعتقد، ستظل الفكرة في عقلك تحتاجك أنت للتنفيذ، انت من تراها مكتملة في عقلك.
المهم انى اعطيت فكرة لأحد الأشخاص لتنفيذها ولم يستطيع.
والكثير من أفكار الإعلانات المطبوعة تأتينى وصعب اجد من ينفذها لى، لان الأفكار الاعلانية تكون محصورة في عقلك انت.
النتيجة هي أن كاتب النصوص الاعلانية والمخرج الفني الأفضل أن يكونا نفس الشخص، وسوف تجد أن الناجحين في هذا المجال هم من أتحدث عنهم، اشخاص يجيدون خلق الأفكار وتطويرها ثم إخراجها في شكل فني، وبالتالي اذا لم تحب التنفيذ الفني فنجاحك ككاتب نصوص إعلانية في الشركات ربما يكون غير مؤكد.
للتوضيح فقط فأنا لا أقول ان كاتب النصوص الاعلانية فقط بدون تنفيذ غير مطلوب، هو مطلوب لكن سوف يطور بنجاح أدوات ترويجية أخرى مثل كتابة نصوص المنشورات والجمل الترويجية – Brochures/ Flyers/ Profiles/ Websites/ Slogan/ Taglines لكن كتابة النصوص الإعلانية التلفزيونية لها حسابات أخرى.
ال Creative Team هو الحل
هذا فريق عمل يكون داخل وكالات الإعلان من أجل حل المشكلة التي تحدث عنها، وهى عدم التواصل الجيد بين كاتب النصوص الاعلانية و ال Art/creative director، وتتم عملية اخراج الأفكار الاعلانية وتطويرها عن طريق جلسات الBrainstorming الشهيرة مع الـ Storyboard و الـ White-board لكتابة جميع الأفكار وتطويرها مع الوقت حتى خروج الفكرة الإعلانية للنور.
لكن حتى فرق العمل تلك لا يكون هناك أوصاف متخصصة تصف أعضاء الفريق.
كنت في فترة اعمل في البيع لدى شركة في مجال توريد المواد الترويجية للشركات ونحن نتعامل بشكل كبير مع وكالات الإعلان ومن هنا اكتسب خبرتى من التعامل مع هذه الوكالات.
كان هناك اعلان ناجح في السوق المصري، وكنت اتعامل مع وكالة إعلان هي من نفذتها، وتخيل من هو صاحب الفكرة؟ ببساطة هو نفس الشخص المسئول عن شراء المواد الترويجية منى، لا اذكر مسماه الوظيفى لكن غالباً ما يكون account executive/manager، هو من أخرج فكرة الإعلان وكانوا فخورين به للغاية في الوكالة لانه اخرج عدد من أفكار الإعلانات سابقاً.
اذاً من يخرج الفكرة ليس كاتب النصوص الإعلانية! وهو ليس رجل عبقرى يجلس وحيداً في مكان هادئ يُخرج الأفكار لكى ينفذها له المخرجون، ليس الامر كذلك، هو رجل من الفريق كغيره من الأعضاء في الفريق يبذلون مجهود مع بعضهم البعض لاخراج بعض الأفكار الرائعة، آسف هي ليس أفكار رائعة! سأقول لك لماذا الآن…
الأفكار الاعلانية العبقرية لا تنجح
باستثناء الأفكار العبقرية الخاصة باللوحات الإعلانية الخارجية والاعلانات في الطرق وعلى الكبارى – Outdoor advertising وباستثناء أفكار ال Guerrilla Marketing المبدعة، فسوف تجد ان اغلب الإعلانات عادية جداً، قد يبدو فيها أحياناً شيء من الجمال او الابداع الفني، لكن لدينا امثلة كثيرة جداً تقول ان الإعلان التقليدي العادي هو ما ينجح، ذلك بسبب أن أغلب الناس ليسوا عباقرة او يحللون الإعلانات، ولكن الإعلان بالنسبة لهم شيء مشوق ويكسر الملل لديهم و ربما يخبرهم عن فوائد منتج ما.
هذه نظريتي عن كل ما يتم إخراجه في التسويق سواء منتجات او اعلانات او غيره. الشئ العبقرى في سوق تقليدي غالباً ما يفشل، لأنه خارج ثقافة وتقاليد السوق التقليدية بطبيعتها، لذلك تنجح إعلانات السمنة والزيت المملة وهى نفسها نفس الإعلانات بنفس الطريقة تقريباً على مدار عشرات السنين، وإذا كانت فاشلة فلماذا تكررها شركات الإعلان بنفس الطريقة؟
ربما تقول ان شركات الإعلان هذه مفلسة، ولكن هذا ليس صحيح، الصحيح أنها إعلانات ناجحة وتحقق نتائج ولذلك يعيدون استخدامها، ببساطة الإعلانات التقليدية المعرف نتائجها تنجح، والاعلانات التقليدية بلمسات فنية مبدعة، تنجح ايضاً، لكن في شرائح سوقية مختلفة، مثل شريحة الشباب في الطبقات الاجتماعية الأعلى.
ليس لدينا أفكار حصرية واصلية
في السوق العربى نادر جداً أن تجد فكرة اعلان تم تطويره بشكل حصرى يمكنك أن تقول عليها هذه فكرة رائعة اخرجناها بدون أن نقلد احدهم، أغلب الأفكار يتم تقليدها، لدرجة ان احدهم من فترة قام بتجميع العديد من اعلانات طارق نور، وهي وكالة إعلان شهيرة وكانت لوقت قصير تعتبر رقم 1 في مصر، وبعد التجميع قام بعرض الإعلانات الأجنبية التي تم تقليد فكرتها في إعلانات طارق نور وبشكل فاضح جداً.
عندما تفتّش عن الإعلانات المبدعة في السوق العربى غالباً ما تجدها مقلدة، على سبيل المثال رأيت اعلان بيبسى للجزائر في كأس الأمم الذي ظهر فيه رياض محرز مع جملته الشهيرة (شكون احنا)، هذا الإعلان لبيبسي ويفترض انه اصلى، لكنه لم يبهرني لانى اعرف النسخة الاصلية وهو إعلان نايكى الذي أظهر ليبرون جيمس وهو يرد الجميل لمدينته كليفلاند، وهناك بالطبع عدد وافى من الأمثلة على تقليد السوق الاجنبى وخصوصاً الامريكى في الإعلانات، وربما في كل شيء تقريباً.
مجتمع الإعلانات مُغلق
المشاهير في إخراج الإعلانات وكتابتها معروفين وهم في مجتمع محصورين ومحصور عددهم ومعروفين بالاسم ويعتبروا حيتان السوق، و للدخول في مجال الإعلان ربما يجب ان تدخل الى مجتمعهم ويكون لديك شبكة معارف هائلة، او تكون مبدع صارخ الابداع بشكل يلفت الوكالات لموهبتك.
اعتقد ان هذا له سبب، وهو أن الإعلانات العربية واتكلم عن الإعلانات في مصر خصوصاً ليس فيها اى ابداع يُذكر، الأغلب يقوم على (موديل النكتة)، الإعلان ذو النكتة الأفضل يفوز!
لذلك موهبة كاتبى النصوص الإعلانية الآن هي في كتابة النكت الإعلانية وليس الإعلان المبدع الذى يعمل جيداً بشكل تسويقى، ويمكن جلب هؤلاء أصحاب النكت من مواقع الفيسبوك وتويتر أو عن طريق المجتمع المُغلق الذي اخبرتك عنه.
هذه بعض النقاط التي تعلمتها وعرفتها عن سوق الإعلانات من واقع الخبرة، وأردت أن اشاركك بها قبل أن تقرر بشكل نهائي أن تضع طريقك المهني في هذا الاتجاه، و اذا كنت تريد دراسة المجال الاعلاني بشكل أكثر واقعية وقوة، فهناك العديد من الكتب الرائعة، وحتى لو كانت قديمة وكلاسيكية فهى ستظل بمثابة الآباء الروحيين لهذا المجال وعلى رأسهم من وجهة نظرى Scientific Advertising، ثم كتاب الرائع ديفيد أوجيلفي Confessions of an advertising man وهو من الكتب القليلة التي تشعر فيها أن كل حرف وكل سطر له قيمته بالنسبة لك، و انصحك الا تدخل مجال الإعلان او تقرر شيء بخصوصه إلا بعدما تقرأ هذا الكتاب العبقرى.
شكرا جدا علي هذه المعلومات