إعادة بناء الموقع الذهني | كيف تعيد تموضعك في السوق
في هذه المقالة أناقش معك واحدة من أصعب المهام التى تواجه التسويق على الإطلاق، وهي إعادة بناء الموقع الذهني، وهي عملية تبدو صعبة وشاقة للغاية، وأحيانا يكون بناء براند جديد أسهل نسبياً.
الموقع الذهني .. تلك الكلمة التسويقية التى تعبر عن عبقرية خاصة وحصرية للتسويق، هذا المصطلح التى يعتمد عليه التسويق بشكل أساسى وهو المحور الذي تقوم عليه جميع الانشطة التسويقية الأخرى.
ما هي الصورة الذهنية؟
الصورة الذهنية باختصار هو وضع تصور ذهنى فى عقول وأذهان السوق المستهدف عن المنتج، عندما يرى الناس المنتج أو يروا اى شئ متعلق به، تتبادر إلى ذهنهم مجموعة من المزايا و ربما الاشكال والألوان والصفات المرتبطة بهذا المنتج، كلما كانت الصورة الذهنية محددة ودقيقة وتربط المنتج بصفة واحدة قوية جداً كلما نجحت فى تحقيق أهدافها..
ما هو الموقع الذهني؟
الموقع الذهني هو شئ أكثر تحديداَ من الصورة الذهنية. يرتبط الموقع الذهني بميزة تنافسية في غاية القوة تحتلها البراند في عقل الناس – خصوصا الفئة المستهدفة من المشترين – وذلك في مقارنة مباشرة مع المنافسين في السوق.
بناء الموقع الذهني هي المرحلة الرابعة من مراحل الاستراتيجية التسويقية، وتقع بعد عملية التمييز – Differentiation حيث يتم اختزال المزايا التنافسية المتنوعة التى تتمتع بها البراند، لنحصل على ميزة واحدة فريدة، يتم بنائها في عقول المستهدفين من المنتج (الأفضل تصل للتركيز على ميزة واحدة، طبقا لقانون التركيز لـ آل رييز).
تكلمنا من قبل عن الصور الذهنية والمواقع الذهنية وكيفية تكوينها، ولكن هل يمكننا تغيير صورة أو موقع ذهني ثابت في عقول الناس لفترة طويلة؟
فى العادة الصورة الذهنية يتم تطويرها وبناءها فى وقت كبير، هى نتاج استراتيجية منتظمة محددة، هى نتاج منتج يتم تطويره وتقديمه بشكل معين لكى يخدم الصورة الذهنية، هى نتاج مجموعة كبيرة ومنتظمة من الحملات الاعلانية وحملات العلاقات العامة، كل هذه الحملات تتم فى إطار تحقيق الصورة الذهنية المطلوب ايصالها الى السوق المُستهدف.
يبدو من الفقرة السابقة أن تطوير الصورة الذهنية شئ صعب و يستهلك وقت طويل لكي يتم بشكله الصحيح، اذاً هل من الممكن لنا بعد كل هذا المجهود والوقت ان نغير الصورة الذهنية التى بنيناها عن المنتج، بهذه السهولة؟!
فى الحقيقة ..الشركات الكبرى تحتفظ بصور ذهنية ثابتة على المدى الطويل، هناك امثلة رائعة للثبات على نفس الصورة الذهنية القوية على مر السنين.. (سنيكرز تسد الجوع) (وول مارت أسواق اقتصادية) (BMW تحقق الرفاهية) (ريد بول يمّدك بالطاقة) .. وغيرها الكثير من الصور الذهنية التي تتميز بثباتها وعدم تغييرها.
إعادة بناء الموقع الذهني
على الرغم من ذلك فإن الشركات قد تلجأ لـ إعادة هيكلة وتطوير موقع ذهني مختلف – Repositioning.
هذا الاضطرار يكون بسبب أن هناك موقع ذهني سوف يحقق عوائد أفضل من الموقع الذهني الحالي، إذا لم يكن هذا هو الهدف من تغيير الموقع الذهني فلا تفعله!
سأعطيك حالة تسويقية تثبت ذلك..
لوكوزيد: من مشروب طبي لمشروب طاقة
مشروب لوكوزيد – Lucozade كان مشروب طبي، هدفه الاساسى هو المرضى الذى يخرجون من حالات علاج و يكونون فى حالة اعياء من اثر المرض السابق (فترة النقاهة)، هذه الفترة يتناول فيها المرضى مشروب لوكوزيد لكي يمدهم بالطاقة ويدفع بنظامهم الهضمى..
بعد فترة لاحظت الشركة المنتجة أن المبيعات أغلبها من فئة ليست هى الفئة المستهدفة من المنتج، و أن المنتج أصبح موجود فى ايدى الأصحاء أكثر من المرضى..
كانت هذه هى فترة الثمانينيات من القرن الماضى، حيث تحسنت سبل العلاج، وأصبح الاهتمام بالمرضى وصحتهم أكبر، وفى نفس الوقت وفى هذه الفترة بدأ اهتمام الناس يزيد اكثر بممارسة الرياضة وقضاء أوقات اكبر فيها.
هنا الوضع الجديد أمام التسويقيين كالآتى.. شريحة أساسية كانت تستهدفها الشركة بمنتجاتها بدأت في الاضمحلال والنقصان، وشريحة اخرى لم تكن الشركة تلقى لها بالاً بدأت فى الزيادة خصوصاً مع حملات التوعية و اهتمام الناس بصحتهم وممارسة الرياضة.
لماذا تظل الشركة تعمل وتبني صورتها الذهنية فى سوق يقل عدده، سوف يصل عمّا قريب لسوق غير مربح، فى حين انها تستطيع ان تبدأ فى إعادة هيكلة وتطوير الصورة الذهنية فى سوق مربح وينمو بشكل اكبر واسرع..
بالتالي بدأت الشركة فى تنفيذ الاستراتيجية الجديدة، وبناء صورة ذهنية للمنتج فى أذهان وعقول الناس فى السوق.. كانت الصورة الذهنية الجديدة تربط المنتج بأنه مشروب الطاقة للرياضيين.
لكى تغيّر الشركة من الصورة الذهنية القديمة، وهي مهمة صعبة جداً بكل تأكيد، بدأت الشركة فى استخدام نفس السلاح الذي استخدمته لبناء الصورة الذهنية القديمة، .. فى اعلاناتها الجديدة بدأت تستعين بـ رياضى شهير من رياضيين العاب القوى هو دالي ثيمبسون – Daly Thompson، وتظهره وهو يشرب هذا المشروب المفيد للصحة ويمّده بالطاقة اللازمة لإتمام تمارينه الرياضية..
ولكنك تعرف ايضاً ان الصورة الذهنية لا يتم بناءها فقط عن طريق الاعلانات.. الإعلانات فقط هي عامل من ضمن العوامل الهامة جداً فى بناء الصور الذهنية، ولذلك فكان على الشركة مثلاً تغيير شكل التعبئة للمنتج لكي يناسب الاستخدام الجديد، .. وهكذا بدأت المهمة تنجح، تحويل المنتج من صورته الذهنية المرتبطة بفترة ما بعد العلاج للمرضى إلى مشروب الطاقة والحيوية للرياضيين.
نعم القضية التسويقية هنا من اصعب القضايا والحالات التي ربما تواجهها الشركات، ولكن لابد منها اذا وجدت الشركة أن عليها أن تحوّل نظرها من شريحة فى السوق تضمحل وتنقص إلى شريحة مربحة وتزيد بشكل منتظم، وهو ما حدث مع شركة لوكوزاد التي تضاعفت فيها المبيعات بعد هذا التغيير التسويقي العبقرى.
شكرا على هذا المقال المميز والمفيد فعلا
موضوع قيم
اتمنى لك مزيد من الابداع والتألق
تقبل مروري