الثبات على المبادئ التسويقية | كيف تحافظ على موقعك الذهني
في هذه المقالة سوف أخبرك على ميزة الثبات على المبادئ التسويقية، وخصوصا كيف تحافظ على موقعك الذهني الذي قمت بإنشائه داخل عقول زبائنك في السوق، وذلك عن طريق 3 عناصر رئيسية هم المنتج، الترويج، والتكرار.
إن من أهم أسباب فشل الشركات سواء على المدى القريب او المدى البعيد، هو عدم استقرارها على المبادئ التسويقية التى اقرّتها فى خطتها التسويقية عندما بدأت، هذا لا يتنافى مع فكرة المرونة التى تجعلك تغير وتعدّل من استراتيجيتك التسويقية لكى تحقق أهدافك، ولكن هناك فارق كبير بين المرونة وبين التخبط والتشتت.
تخيل معى قبطان لسفينة كان يهدف إلى وجهة محددة، مع الوقت تجده يفكّر ان يغيّر وجهته، ثم يغير الطرق التى اتفق عليها مع طاقمه، مرة لكى يختصر الطريق، ومرة من اجل التجديد والتغيير، مرة اخرى من اجل ان يستغل فرصة قد سنحت له، .. برأيك هل سيصل هذا القبطان الى وجهته فى النهاية؟ هل تعتقد انه سوف يحقق النجاح؟
الإجابة .. لا، وهذا هو حال الشركة التي تضع مبادئ وقواعد تسويقية من المفترض ان تسير عليها، ثم تجدها تغيّر هذه القواعد مع كل فرصة او خطر، أو تغييرها حتى بدون داعى، هذه الشركات يكون عمرها قصير جداً فى هذا العالم التسويقى، لا تنجح بأى حال، ولو نجحت يكون نجاحها ضئيل غير مسموع، ويكون نجاح مؤقت.
سنيكرز تثبت على المبادئ التسويقية
من أجمل الأمثلة التى تصادفنى وأفكر فيها دائماً بهذا الصدد هو الحال مع سنيكرز – Snickers، وسنيكرز شيكولاته غنية بالفول السودانى، هى شيكولاتة رائعة الطعم، ولكنها ايضاً مغذية وتشبع جوعك، ولكن اريدك من اليوم أن تركز مع إعلانات واستراتيجيات هذه الشركة تسويقياً، سوف تكتشف أن الأمر معها ليس مجرد منتج شيكولاتة مميز يبيع سنوياً بحوالى 2 مليار دولار فقط!، انه اكبر من ذلك ويعطيك انطباعات تسويقية هائلة.
اريدك ان تتفحص هذا الاعلان القديم..
ماذا ترى؟؟.. بالفعل انه نفس الشعار القديم الجديد الازلى ل سنيكرز.. الشعار الذى يتغير من وقت لوقت، ومن مكان الى مكان “سنيكرز تشبعك حقاً” “سد جوعك” “انت مش انت وانت جعان” “انت مو انت وانت جوعان”.. الخ، ولكن يتغير الشعار او الجملة الاعلانية – tagline تغير خفيف بسيط للغاية، ويصبّ دائماً فى فكرة أن هذه الشيكولاته تشبع جوعك.
أولاً دعنا نعرف لماذا تصنع هذه الجملة الثابتة عبر السنين شركة او منتج قوي للغاية..
كيف يتم بناء البراند
هل تعرف كيف نبنى العلامات التجارية – Branding؟
“إن العلامة التجارية تبنيها الشركة بالاستمرار فى توجيه رسائل تسويقية وترويجية تصبّ فى فكرة تسويقية محددة، تصنع صورة ذهنية قوية ودقيقة فى أذهان الناس”
هل تستطيع اذاً ان تقارن بين شركة ظلّت سنة تبنى صورتها الذهنية وعلامتها التجارية، وبين شركة ظلّت 20 سنة تبنى صورتها؟! بالطبع سيكون الفرق شاسع (بافتراض أن الشركتين تعملان بنفس الشكل التسويقى الصحيح)، الشركة الأولى لم تحقق نفس الصورة الذهنية القوية جداً التي حققتها الشركة الثانية.
بالتالى فإن الشركة تقوى وتحقق الانتشار وحب الناس لها، وذلك عن طريق الثبات لفترة كبيرة على نفس المبدأ التسويقي، ونفس الصورة الذهنية المحددة، وهذا مانراه فى شركة مارس – Mars المنتجة لشيكولاتة سنيكرز.
اريدك الآن ان تتعرّف على أهم ما يساعد الشركة لتبني هذه الصورة الذهنية الثابتة، والتى تحقق لها القوة والثبات والتحكم فى سوقها الذي اختارته.
عناصر الحفاظ على موقعك الذهني
بالطبع لكى تبنى وتثبّت الصورة الذهنية عليك بأن تطور وتضع كل جهودك وعناصر استراتيجيتك وبرامجك التسويقية لكي تحقق هذا الموقع الذهني الذي اخترته، ولكن اريد ان اتكلم سريعاً عن اهم عاملين هنا تركّز عليهم الشركة، وهما المنتج، والترويج.
سنيكرز اختارت شريحة الشباب المنطلق المتحمس، والذي ينال منه الجوع، فيحتاج لمنتج سريع، له مذاق رائع، ويحقق له إشباع حاجة الجوع، ومن هنا تبدأ الشركة.
المنتج
ماهو المنتج الذي ستقدمه الشركة؟ .. بالتأكيد هو منتج غنى بالمواد التى تحقق وتشبع الجوع، هو منتج يحتوي على عناصر أهمها الفول السودانى الذى يحقق هذا الهدف.
منذ وقت قليل، اتحفتنا الشركة بشوكولاتة سنيكرز “فول سودانى أكثر”، شخصياً لم احب مذاقها، تحسرت على طعم شوكولاته سنيكرز الذي احبه، والذي لا يحتوي على هذا الكم الزائد من الفول السودانى، لماذا تفعل الشركة هذا؟ هل الشركة لا تدرك أن الفول السوداني أكثر غير محببّ إلىّ؟!! ولكن من يعبئ بى! ان الشركة تستهدف شريحة اساسية ولن تغير هذه الشريحة مهما حدث من اجلى.
هى زوّدت الفول السوداني لأنها ثابتة على الصورة الذهنية التى تريد تكوينها عبر السنين، انها تعمل على تطوير منتج يسدّ الجوع، نعم .. المذاق اللذيذ الرائع هو من ضمن مزايا الشيكولاتة، ولكن مع كل حركة تتحركها الشركة تأتى الجملة التحذيرية داخلياً فى الشركة “اثبتوا يامديرين التسويق في شركة مارس.. إننا نستهدف شريحة اساسية تريد سد الجوع وليس الاستمتاع بشوكولاتة سنيكرز”.
اذا فالشركة تطور المنتج وعينها على الاستراتيجية التسويقية والمبادئ التسويقية التى تعمل طبقاً لها، ومع الوقت سوف يستقر فى أذهان الناس الصورة الذهنية لسنيكرز بكل قوة، وذلك عن طريق الثبات على تطوير منتج يحقق هذه الاستراتيجية..
الترويج
العنصر الثاني المهم جداً لبناء قوة واستقرار الشركة هو الترويج!
كيف تبنى سنيكرز صورتها الذهنية عن طريق الترويج؟
يجب أن تعتمد الشركة على إيصال الرسالة الترويجية لها فى كل الأدوات الترويجية بنفس القوة وفى نفس الاتجاه وهو بناء الصورة الذهنية المرغوبة، .. وبالتالى علينا ان نجد الرسالة الترويجية لشركة مثل سنيكرز، والتى تركز على فكرة المنتج المغذّى الذى يسد الجوع، يجب أن نراها بنفس القوة والتماسك فى كل الأدوات الترويجية : الإعلان والعلاقات العامة والبيع الشخصى وعروض البيع، وحتى أدوات التسويق المباشر إن وجد فى المعادلة التسويقية للشركة.
لكن دعونا بفكرنا التسويقى الدقيق والمنطقى نركّز اهتمامنا على العنصر الاهم فى هذه العناصر الترويجية وهو الإعلان –Advertising.
أتذكر حينما أخبرتك من قبل أن هدف الإعلان هو نشر الوعى بالمنتج ووجوده ومزاياه – brand awareness؟.. اذاً حان الوقت لكي نكرر هذا الكلام.
العلاقات العامة تبنى الثقة والمصداقية، عروض البيع هدفها تنشيط المبيعات، البيع الشخصى هدفه الاقناع والتواصل مع الناس، ولكن الإعلان هدفه إيصال الرسالة الترويجية عن المنتج لأكبر عدد ممكن من الناس.
لا تعتقد أن هدف الإعلان هو أن يشترى الناس.. ابداً!، هدف الشراء هو من ضمن الأهداف الاعلانية، ولكن الهدف الرئيسي من الإعلان هو أن يعرف الناس، خصوصاً الفئة المستهدفة من الإعلان عن المنتج وعن مزاياه وفوائده بالنسبة اليهم، اما هدف الشراء فيتم تنفيذه فى منافذ البيع وعن طريق عروض البيع، و بتكامل جميع الادوات التسويقية والترويجية.
هذا الكلام معناه اذاً ان الشركة عليها أن تضع خطتها الاعلانية وتنفيذها بشكل يكفل لها تحقيق هدف نشر المنتج بين الناس، وهذا سيكون من نتائجه الحتمية بداية تكوين الناس لفكرة معينة عن المنتج، قد تكون الفكرة هى ان هذا المنتج هو للفئة الراقية فى المجتمع، او ان المنتج اقتصادى ويستطيع الجميع شرائه، او ان المنتج ريادى فى مجاله ويحتوى على ميزة جديدة لم يروها من قبل، او أن المنتج يتميز بميزة شائعة ولكنها مهمة لهم.. مثل الأمان، الرفاهية، الفخامة، والمتانة، الصمود، السرعة، … الخ.
هنا يبدأ اهم جزء سوف يحدد مصير قوة الموقع الذهني الذي تحاول الشركة تكوينه وتثبيته، وذلك حين تستخدم الشركة اعلانات كلها تخدم موقع ذهني واحد ودقيق.
هل هذا أفضل أم أن نرى شركة تطور كل حملة اعلانية بناء على مزايا مختلفة وشعارات مختلفة وفئات سوقية مختلفة؟! هذا قمة الجهل التسويقى، وكل حملة اعلانية سوف تكون محسوبة على الشركة، اما تسحب من قوة صورتها الذهنية او تضيف اليها.
هذا هو السبب الذي اخترت من أجله حالة شركة مارس واستراتيجيتها التسويقية مع شيكولاتة سنيكرز، .. انك تجد نفس الرسالة الاعلانية تقريباً منذ بدايات دخول المنتج فى السوق والإعلان عنه الى الآن!.. هذا شئ مذهل بحق، لانهم يعرفون ان كل حملة اعلانية تصب فى نفس الفكرة التسويقية لهم هى فى صالح تزويد قوة ودقة الصورة الذهنية المطلوب تكوينها.
ايضاً تجد اعلاناتهم متشابهة، بل احياناً متطابقة مع اختلاف شخصيات من يظهرون فى الاعلان فقط، وذلك عند تطوير نفس الحملة فى أكثر من بلد، سواء بلاد عربية أو أجنبية، .. وبالتالى تخيل شركة تقدم حملاتها الاعلانية فى كل وقت وكل مكان فى نفس نطاق الرسالة الترويجية ونفس الفكرة الاعلانية، كيف تكون قوة صورتها الذهنية .. بعد سنين من تطبيق هذه الاستراتيجية التسويقية العبقرية؟!
في النهاية، اريد ان الفت نظرك لملاحظتين مهمين:
الأولى هى ان عناصر المزيج التسويقي، أو البرامج التسويقية، جميعها مهمة من أجل بناء صور ذهنية عن المنتجات.
لنفترض أنك تود بناء صورة ذهنية ان المنتج خاص بشريحة من الناس عالية الدخل ويعيشون فى ارقى المناطق،.. حينها سوف تستعمل جميع عناصر المزيج التسويقي فى صالح تكوين الصورة الذهنية ..
سوف تطور منتج عالى الجودة، وسوف ترفع من سعرك حتى يربط الناس منتجك بالجودة والتميز، وسوف تستخدم منافذ ومتاجر بيع فى اماكن راقية وتتميز ايضاً باستهداف الطبقة الراقية لها، واخيراً سوف تكون رسالتك الترويجية خاصة بهذه الفئة صاحبة الدخل العالى، وسوف يظهر هذا ايضاً فى مستوى إخراج الرسالة الترويجية.
لكن تركيزى على عاملى المنتج والترويج فى هذه المقالة هو ان الصورة الذهنية سوف تكون اقوى عندما تكون اكثر تحديداً من مجرد كون المنتج مرتبط بجودة عالية وموجه للشريحة صاحبة الدخل المرتفع، .. فكما ترى فى حالة سنيكرز أن الصورة الذهنية محددة جداً .. “هذا المنتج يشبع جوعك”.
الملاحظة الثانية أن الكثير يرى ان الاعلان فقط هو من يبنى الصورة الذهنية، هذا ربما يكون صحيحاً فى حالة المنتجات الصعب فيها التميز او التغيير، مثل بيبسى، فبيبسى كونت الصورة الذهنية على أنها تقدم منتج لطائفة الشباب المتحمس الطموح المنطلق، ولكن كيف لها ان تستخدم طعم ومكونات المنتج فى بناء هذه الصورة الذهنية!
بيبسى معروف ان مذاقها محّلى أكثر من طعم كوكا كولا، ولكنهم تركوا هذه المقارنة جانباً.. يكتشفها من يكتشفها ويجهلها من يجهلها، وركزوا على عنصر الترويج والإعلان لكى يبنوا لأنفسهم صورة ذهنية للمنتج على أنه منتج شبابي، هنا نجد أن أهم عنصر في عناصر المزيج التسويقي لبيبسى هو عنصر الترويج، .. الوضع اذاً مختلف مع شيكولاتة سنيكرز والتى تعتمد على عاملين فى قمة الاهمية، وبالتالى أراها اجدر فى الدراسة التسويقية فى جانب بناء الصور الذهنية.
الوقت والتكرار
لا يوجد أي استفادة مما ذكرناه في هذه المقالة بدون عنصر الوقت والتكرار!
بدون أن تكرر الشركة رسائلها الترويجية باستمرار وبثبات وعلى فترات زمنية طويلة، وبدون تطوير مستمر للمنتج، فلن يتم بناء الموقع الذهني بشكل صحيح.
تخيل أن شركة قامت بتطوير المنتج، وأخرجت رسالة ترويجية واعلانية خارقة، لكن اكتفت بذلك في عام أو عامين ثم توقفت! بالطبع لن تستطيع أن تحقق شئ يذكر في الثبات والحفاظ على الموقع الذهني.
لذلك لكي تبني موقع ذهني وتحافظ عليها، وتدافع عنها ضد شركات متنافسة تملك حتى ميزانيات أكبر، عليك أن تطور المنتج والترويج بشكل يبني رسالتك التسويقية، وموقعك الذهني، مع الثبات على ذلك لأطول فترة ممكنة، مع أقصى تكرار تستطيع فعله!