التموضع الذهني | كيف تبني موقع ذهني بشكل صحيح وتحافظ عليه
هذه واحدة من أهم مقالات التسويق اليوم، وفيها سوف أعرفك على جزء هام من الاستراتيجية التسويقية، وهو التموضع الذهني، وكيفية بناءه بشكل صحيح، مع نصائح للدفاع عنه والمحافظة عليه.
ما هو التموضع الذهني – Positioning؟
بناء الموقع الذهني – أو التموضع الذهني – معناه بناء الشركة نفسها في عقل الزبون في مكان ذهني معين مقارنةً مع المنافسين في السوق. قد تبني الشركة موقعها الذهني بناء على الفخامة، الثقة، السرعة، السهولة، وغيرها من المواقع الذهنية، وتستمد الشركات مواقعها الذهنية من مصادر رئيسية هي المنتج، الخدمة، التوزيع، والأشخاص.
التموضع الذهني هو جزء من نموذج STP الذي يشكل الاستراتيجية التسويقية، وهي ثاني خطوة رئيسية في خطة التسويق، ويتم تحديدا بعد تقسيم السوق والاستقرار على استراتيجية الاستهداف التي ستستخدمها.
التموضع الذهني من أهم المصطلحات التسويقية وأكثرها عبقرية على الإطلاق، بل إن الشركات العملاقة في العالم، والتي صنعت أسماء وعلامات تجارية قوية جداً ما هي إلا شركات تحتفظ بموقع ذهني يبلغ من القوة والثبات إلى أن الناس يشترون منتجاتها وخدماتها بدون تردد، ولأنهم يحتفظون للشركة بصورة ذهنية محددة قوية تغنيهم عن المفاضلة ومقارنة هذه الشركات بالمنافسين في كل مرة.
ربما تكون هذه النقطة الأخيرة هي ما يلخص أهمية التموضع الذهني سواء بالنسبة للبيزنس أو للعميل نفسه، فالناس بطبيعتهم ليس لديهم استعداد في كل مرة أن يقارنوا المنتجات والخدمات التي تقدمها الشركات ليتخذوا قرار الشراء، الأمر مرهق وعسير ومستهلك للوقت إذا فعلوا ذلك، بالتالي من الأفضل فعلاً أن يرى العميل المنتج او اسم المنتج، فيتذكر صفة قوية مميزة على رأس صفات قوية أخرى، نسميها الميزة التنافسية الفريدة – USP، وهذا يسّهل عليه عملية الشراء والمفاضلة بالتأكيد.
أهمية الموقع الذهني للشركات
الموقع الذهني للشركة هو ما يبني لها البراند، لا يوجد براند بدون موقع ذهني! البراند معناه ارتباط الشركة بصفات معينة، على رأسها موقع ذهني واضح ومحدد يجعلك تفضل شركة عن أخرى، بدون البراند، والموقع الذهني، تصبح مجرد سلعة، يفاضل الناس كل مرة بناء على المزايا والسعر لشرائها أو لا. أما ميزة البراند المبني على الموقع الذهني أنه يحول السلعة لشيء معروف، وموثوق فيه، هو البراند.
تظل الشركات تبني مواقعها الذهنية بثبات وقوة واستمرارية إلى أن تصل لمرحلة قوة الهوية التجارية (براندينج)، حينها لا يشتري الناس لجودة أو مواصفات أو فوائد ومزايا المنتج، بل لأن المنتج هذا هو من إنتاج الشركة هذه. أنت لا تشتري نايكي لأنه حذاء بديع أو قوي، ولكنه نايكى، لا تشتري مرسيدس لأنك تحققت من مزاياها جيداً، بل لأنها مرسيدس، لا تشتري أيفون – iPhone لأن أعجبك جودة الهاتف وبعض المواصفات به، بل لأنه آيفون! ليس معنى ذلك أن المشترين لا ينظرون الى خصائص وفوائد المنتج، هم ينظرون بالتأكيد، ولكن تكون المقارنات محسومة مع المنافسين أصحاب المواقع الذهنية الأضعف!
كل الشركات العالمية لها مواقع ذهنية محددة وقوية، فسيارات بي إم تتميز بمتعة القيادة، ريد بول بالطاقة، سنيكرز بسد الجوع، مرسيدس بالفخامة، نايكي بقوة التحمل، بيبسي بالانطلاق، فولفو بالأمان، وول مارت بالتوفير، وهناك المئات من الأمثلة الأخرى. وتستطيع بكل سهولة فهم موقع الشركة الذهني عبر الرجوع للتاج لاين الخاص بها.
ما الفرق بين الموقع الذهني والصورة الذهنية؟
هناك فارق كبير بين المصطلحين، ليس فقط من ناحية الترجمة أو اختلاط الألفاظ، بل هو فارق ضخم في كيفية بناء كلا منهم. الموقع الذهني يتعلق بالميزة التسويقية الكبرى – أو مجموعة مزايا تنافسية تحت إطار موحد/ مظلة تسويقية – وهذه الميزة التنافسية هي ما تفرق بين شركتك وبين أي شركة أخرى أو منتجك وبين أي منتج آخر في السوق. لكن الصورة الذهنية – Image غالبا ما تكون عنصر من عناصر البراند، وهي انطباعات ذهنية معينة تأتي في أذهان وعقول المشترين عن منتج معين أو براند معينة، وقد تتعلق مثلا بالفخامة، الأناقة، الأمان، الحماية، الاقتصادية، ومن الطبيعي أن تشمل البراند الواحدة العديد من الصور المتوافقة مع بعضها، لكن الموقع الذهني (يٌفضّل) أن يكون واحد فقط وفريد من نوعه وسط المنافسة.
كيف تعرف الموقع الذهني لأي شركة؟
المصدر الأول والأساسي لمعرفة الموقع الذهني لشركة أو منتج ما هو التاج لاين (شعار البراند)، فمثلا نايكي شعارها “فقط افعلها – “Just Do It لتعبر عن قوة وتحمل منتجاتها، وآبل شعار “فكر بشكل مختلف – “Think Different لتعبر عن الابتكار والإبداع في منتجاتها، أما ريد بول شعارها هو “بيعطيك جوانج” ليعبر عن قوة المشروب الذي يمدك بانطلاق وطاقة كبيرة.
المشكلة الرئيسية في معظم الشركات التي لا تتوافق فيها التاج لاين مع الموقع الذهني هي أنها غالبا شركات تعمل بعشوائية وتختار شعارات ترويجية لا تمت بصلة لمواقع ذهنية محددة، وأصل المشكلة هي أن هذه الشركات لا تملك خطط تسويق بشكل علمي، تمكنها من بناء استراتيجية تسويقية ومواقع ذهنية محددة، وبالتالي تمتلك براندات ضعيفة.
كيف تبني الموقع الذهني؟
يتم التموضع الذهني/ بناء الموقع الذهني – Positioning، أولا بتجزئة السوق واستهداف شريحة منهم، ثم اختيار ميزة تنافسية فريدة، أو إطار فريد عام، يميزك وسط المنافسة، وهذا يحدث نتيجة لمرحلة التمييز – Differentiation، وفيها تستخرج كل المزايا التنافسية التي تمتلكها، ثم تفاضل بينهم وتختار الأقوى. بعدها (تُرقّي) واحدة أو أكثر من هذه المزايا لتكون موقعك الذهني، وسوف أقوم بإعطائك مثال عملي بعد قليل.
استخراج المزايا التنافسية
أول خطوة في بناء الموقع الذهني هو استخراج كل المزايا التنافسية، وقد تظن أن ما يميزك في السوق متعلق فقط بالمنتج، لكن الأمر ليس كذلك، المنتج هو فقط مصدر من ضمن 4 مصادر لاستخراج المزايا التنافسية:
المنتج: هو أشهر مصدر لاستخراج المزايا التنافسية، مثل أكبر سيارة، أصغر موبايل، أخف لاب توب، أسرع طائرة. كلها مزايا مرتبطة بخصائص المنتج نفسه.
الخدمة المكملة للمنتج: قد لا تجد ميزة في المنتج الذي تقدمه، فتلجأ لمصدر آخر وهو “الخدمة المكملة للمنتج”. بعض مشاريع البيزنس تعتمد في التموضع الذهني على مزايا مثل “الضمان” أو “خدمة ما بعد البيع”، وكلها مزايا مكملة للمنتج وليست في أصل المنتج نفسه.
الأشخاص – People: هناك بعض المجالات تكون قائمة على أشخاص مثل المجالات الخدمية أو مجال العقارات، في هذه الحالة قد تكون المزايا في العناصر البشرية نفسها، خبرتهم، أسلوبهم، وشخصياتهم.
التوزيع وقنوات البيع – Channels: قد يكون من مميزات البيزنس أنه قادر على الوصول لأماكن توزيع مميزة لا يستطيع الوصول لها منافسيك، أو تواجده في أماكن كثيرة وسهلة الوصول على الزبائن، وهو تحت إطار نموذج التيسير أو السهولة – Convenience.
وزن المزايا التنافسية
ثاني خطوة هي قياس هذه المزايا التنافسية التي تم استخراجها ووزنها وفقا لمعايير معينة “اختبار القوة”، ثم اختيار أقوى ميزة لتكون هي موقعك الذهني في السوق.
تقوم بوضع هذه المزايا في جدول، مثل الذي في الصورة، وتعطي لكل ميزة وزن (من 1 لـ 10) حسب 3 معايير أساسية وهي:
1- المشتري – Customers: هل هذه الميزة مهمة للمشتري؟ وإجابتك على هذا السؤال بشكل سليم تتطلب معرفتك جيدا بجمهورك المستهدف ومعرفة احتياجاته ورغباته (الطريقة التي يحب أن يلبي بها هذه الاحتياجات).
2- المنافسة- Competition: هل هناك منافسة كبيرة في السوق على هذه الميزة؟ هذا تعرفه من تحليلك للمنافسين وتحليل نقاط القوة والضعف لديهم.
3- موارد الشركة – Company Resources: هل لديك الموارد الكافية لتقديم تلك الميزة دائما بنفس الجودة والتفرد (مراعاة مدى وفرة الموزعين والموردين في تلك النقطة). وتستطيع معرفة ذلك من خلال عمل تحليل داخلي لموارد الشركة من خلال أدوات مثل تحليل فرايو.
الآن، احسب متوسط كل ميزة (مجموع الثلاث نقاط مقسوم على 3). بهذه الطريقة، أنت قمت بتحديد أقوى ميزة تنافسية لتبني عليها التموضع الذهني للبيزنس، فما مصير باقي المزايا؟ تستطيع أن تنافس بها في السوق، ولكن يبقى الموقع الذهني/التموضع الذهني على رأس الهرم كأقوى ميزة تنافسية لك في السوق لا يستطيع أحد أن ينازعك فيها.
ترقية وبناء الموقع الذهني
بعد مرحلة التمييز وسرد كل المزايا التنافسية، لديك استراتيجية من اثنتين، إما اختيار ميزة تنافسية واحدة فريدة، ولنفترض أنك تقدم براند ملابس مستوحاة من براندات عالمية، وتتميز بالشكل والأناقة، حينها سوف تكون هذه هي ميزتك الكبرى، وموقعك الذهني (المتعلق بالفخامة والأناقة).
لكن في حالات أخرى كثيرة تحتاج لدمج عدة مزايا تنافسية تحت إطار أو مظلة واحدة، وهنا يظهر عبقرية الماركتير، واختلافه عن آخر.
لنفترض أنك مطعم للوجبات السريعة، وميزتك هي الانتشار والتواجد في أماكن جغرافية متنوعة ومناسبة لزبونك، مع ميزة أن أسعارك مناسبة وتقوم بعمل عروض ترويجية بشكل دائم، أيضا تستطيع التوصيل السريع لأي مكان، كما أن أبواب مطعمك مفتوحة 24 ساعة في اليوم. حينها سوف تقوم بدمج كل هذه المزايا التنافسية تحت ميزة رئيسية أكبر، أو أحب تسميتها بالإطار الذهني الأكبر، وهو الانتشار وسهولة الوصول – Convenience، وهذا ينطبق على شركات وبراندات عالمية في مقدمتهم ماك للوجبات السريعة.
مثال آخر محلي، هو شركات العربي في مصر، والتي تبني موقعها الذهني على الثقة، والثقة ليست ميزة واحدة في حد ذاتها، بل هي إطار لعدة مزايا تنافسية، دعني أعددها لك، وأولها ميزة المنتجات الموثوق فيها، خدمة عملاء أمينة تصلح لك مشكلتك بدون غش، أمانة البائعين وحرصهم على مصلحة الزبون، شخصية المؤسس وحبه للخير وأمانته، وكل هذه المزايا عندما تدمجها تخرج بإطار أكبر هو الثقة.
ما هو أقوى موقع ذهني؟
إن أقوى المواقع الذهنية على الإطلاق هي التي تعتمد على أسماء التفضيل، مثل “أصغر سيارة”، “أحلى طعم”، “أوفر هايبر ماركت”، “أسرع طائرة”، “أول تكييف”، “أكثر الهواتف تطوراً”، “أنعم وسادة”، “أفضل خدمة عملاء” … الخ. السبب بسيط وهو أن الموقع الذهني يجب أن يجعلك في مأمن من المنافسة الشرسة وحرب الأسعار، ويجعلك الأفضل في قطاع – Category معين من السوق.
أقوى المواقع الذهنية هي التي تتبني صفة التفضيل (الأول في السوق)، وغالبا ما يرتبط اسم البراند بعد ذلك باسم المنتج! مثل بامبرز، كلينكس، شيبسي، كنتاكي، نسكافيه.. الخ وهي كلها أسماء براندات كانت الأول في مجالاتها، لدرجة أن تم ربط أسماء أي منتج في هذه المجالات باسم البراند (الأول دخولاً للسوق).
ماذا تفعل إذا لم تستطع بناء موقع ذهني بناء على صفة تنافسية محددة؟
عندما لا تستطيع الشركة أن تميّز نفسها على أساس صفات التفضيل بسبب شدة المنافسة، أو حتى اختيار موقع ذهني مميز وفريد، فإن عليها أن تلجأ إلى تمييز نفسها بالفوائد – benefits، في مقابل السعر – Price، فمثلاً تجعل الناس تربطها بتقديم فوائد أكثر من المنافسين بنفس سعر المنافسين، هذه طريقة أخرى من طرق التموضع الذهني تُسمّى النموذج العام لاستراتيجية التموضع الذهني – Overall positioning strategy.
جملة الموقع الذهني الداخلية
أهم جملة لديك في خطة التسويق، وهي تعبر عن كيف ستنافس في السوق. تتكون جملة الموقع الذهني الداخلية – Internal Positioning Statement من 4 مقاطع هم: الشريحة المستهدفة من المنتج، اسم البراند، المجال الذي تعمل وتنافس به (Category)، وأخيرا موقعك الذهني الفريد (Position).
تُسمى جملة الموقع الذهني الداخلية بهذا الإسم لأنها داخلية فعلا، يراها ويهتم بها متخصصي ومنفذي التسويق بالشركة، وكل الإدارات المرتبطة بالتسويق، ونتيجة هذه الجملة الذهنية الداخلية، جملة ذهنية أخرى لكن تُسمى الجملة الذهنية الخارجية – External Positioning Statement، وهي الشعار التسويقي للبراند – Tagline.
من الأمثلة الشهيرة التي استعان بها كوتلر في كتابه أساسيات التسويق كانت جملة الموقع الذهني لبراند بلاك بيري في بداية دخوله السوق، والتي كانت تقول – باختصار – أن بلاك بيري تستهدف شريحة الموظفين والمديرين في الشركات، المشغولين، الذين يريدون أن يكونوا على اتصال طول الوقت بأعمالهم وفرق عملهم ومواردهم. يتم خدمة هذه الشريحة ببراند هو (بلاك بيري)، وهو يعمل في قطاع الأجهزة الذكية اللاسلكية – Wireless Connectivity Solution، وميزته هي السهولة والاعتمادية في الاستخدام.
تعليق استراتيجي مهم على المجال – Category، والموقع الذهني – Position، وهو أنك قد لا تحتاج موقع ذهني محدد إذا كنت تعمل لوحدك في نطاق/ مجال معين (قد تكون بمفردك في قطاع جغرافي أو ديموغرافي معين) حينها لا تحتاج العثور على موقع ذهني محدد، لأنك ببساطة تعمل بمفردك! أنت لست في حرب تقليدية مع منافسين آخرين لتحتاج موقع ذهني يميزك عنهم.
مثال على ذلك كونك تمتلك مطعم للوجبات السريعة في نطاق جغرافي ليس فيه أي منافسين، حينها أنت لا تحتاج لموقع ذهني تنافسي، لكن بمجرد تواجد ودخول مطاعم وجبات سريعة بجوارك، حينها أنت تحتاج لأن تختار موقع ذهني تنافسي يميزك عنهم، وتبني البراند على أساسه.
ملاحظة على النقيض، وهي أنك قد تحتاج للذهاب أبعد من موقعك الذهني الحالي إذا تعددت الشركات التي تزعم نفس موقعك الذهني (ولا تستطيع الدفاع عن موقعك الذهني أمامهم)، لأن الموقع الذهني حينها يتحول لمجال!
مثال على ذلك، شركات السيارات التي تعمل بالكهرباء ذات الطاقة النظيفة والموفرة، فدخول تسلا في البداية لم تحتاج الشركة معه لبناء موقع ذهني، فهي تمتلك المجال كله بالطول والعرض، وهي الأقوى فيه والأكثر ظهورا وإقناعا، لكن مع دخول معظم الشركات الكبرى في التنافس بسيارات الكهرباء ذات الطاقة النظيفة، أصبح عليها الابتعاد خطوة أخرى لتعلن أن موقعها الذهني هو سيارات فخمة (في قطاع/ نطاق مجال السيارات الكهربائية، التي تحولت من موقع ذهني لمجال/ نطاق عمل).
قرارات صعبة واستراتيجية بخصوص الموقع الذهني
درّبت وعملت في التسويق لمدة تصل لحوالي الـ 15 عام، ولم أجد جزء فيه تحدى وصعوبة وخطورة، ويظهر فيه قوة وعبقرية الماركتير الحقيقي أكثر من جزء الاستراتيجية التسويقية، وخصوصا بناء المواقع الذهنية!
ليس من السهولة أبدا تقرير موقعك الذهني، فقد تصادف العديد من السيناريوهات المحتملة، وجميع هذه السيناريوهات قد تصيب أو تخطأ، ودعني أعطيك أمثلة عليها.
شركة تويوتا شركة عملاقة في صناعة السيارات، بدأت وبنت موقعها الذهني بناء على الاعتمادية، وكان من الصعب جدا تعديل أي شيء على هذا الموقع التنافسي، وعلى الرغم من ذلك أرادت دخول سوق أعلى في المستوى ويتعلق بالرفاهية، فقررت حينها دخوله باسم مختلف – لا يتعارض مع الموقع الذهني الأساسي للشركة – وهو ليكزس. هل نجحت في ذلك؟ بالطبع نجحت وهي تنافس مرسيدس بشكل قوي في بعض البلدان منها أمريكا والسعودية.
على النقيض سوف تجد براند مثل فيرجن، لمؤسسها المجنون ريتشارد برانسون، الذي دخل كل الأسواق تقريبا بنفس الاسم! بداية من المشروبات الغازية، مرورا بالتسجيلات الغنائية، ومجال التجزئة، وصولا لشركات تأمين وبنوك وقطارات وطائرات وحتى شركات السفر للفضاء!
إذاً متى تحتاج لتغيير اسم البراند عند دخول سوق جديد؟
لا يوجد قاعدة وهناك الكثير جدا من الأسباب، والسبب الوحيد المرتبط بالموقع الذهني هو: هل يختلف موقعك الذهني في السوق الجديد أم لا؟
كنت أقوم بتدريب شاب صاحب محل قطع غيار واكسسوارات موبايل في منطقة صبيا بالسعودية. وأثناء تطبيقنا لجزء الاستراتيجية وجد نفسه في حيرة، حيث لديه العديد من الشرائح المستهدفة، لكن في نفس الوقت لا يمتلك رفاهية بناء براند بموقع ذهني مختلف لكل شريحة.
هذا الشاب حلّ المشكلة بكل بساطة، بتصميم استراتيجية تقوم على محل واحد بموقع ذهني واحد، وهو أنه مميز بكون المنتجات لديها كلها حصرية (أول محل يقدم المنتجات والإصدارات الأحدث في الهواتف ومكملاتها)، ولكن نفس المحل سوف يشمل عدة أقسام، مثل قسم للسيدات، قسم للشباب، قسم للأطفال، وهكذا. لكن الجميل أن كل الأقسام تحت مظلة موقع ذهني واحد (الأكثر حصرية).
لا يمكن أن أعطيك طريقة واحدة للتفكير في بناء الموقع الذهني، بمجرد تقسيم السوق واستخراج المزايا التنافسية، سوف يظهر بعدها مباشرة قوة الماركتير الحقيقي، الذي يستطيع وضع استراتيجية عبقرية تتلاءم مع التقسيم والتمييز الذي وصل له من خلال بحث وتحليل السوق، وتحليل شركته وزبائنه المستهدفين.
الثبات على الموقع الذهني والدفاع عنه
السؤال الآن، هو السؤال الأصعب. بفرض أنك وصلت لموقع ذهني وبنيته بشكل صحيح، كيف تحافظ عليه؟ وكيف تضمن أن يظل موقعك الذهني ولا يستحوذ عليه منافس آخر في السوق؟
في هذه الجزء من المقالة سوف أخبرك على ميزة الثبات على المبادئ التسويقية، وخصوصا كيف تحافظ على موقعك الذهني الذي قمت بإنشائه داخل عقول زبائنك في السوق، وذلك عن طريق 3 عناصر رئيسية هم المنتج، الترويج، والتكرار.
إن من أهم أسباب فشل الشركات سواء على المدى القريب او المدى البعيد، هو عدم استقرارها على المبادئ التسويقية التي اقرّتها في خطتها التسويقية عندما بدأت، هذا لا يتنافى مع فكرة المرونة التي تجعلك تغير وتعدّل من استراتيجيتك التسويقية لكى تحقق أهدافك، ولكن هناك فارق كبير بين المرونة وبين التخبط والتشتت.
تخيل معي قبطان لسفينة كان يهدف إلى وجهة محددة، مع الوقت تجده يفكّر ان يغيّر وجهته، ثم يغير الطرق التي اتفق عليها مع طاقمه، مرة لكى يختصر الطريق، ومرة من اجل التجديد والتغيير، مرة اخرى من اجل ان يستغل فرصة قد سنحت له، .. برأيك هل سيصل هذا القبطان الى وجهته في النهاية؟ هل تعتقد انه سوف يحقق النجاح؟
الإجابة.. لا، وهذا هو حال الشركة التي تضع مبادئ وقواعد تسويقية من المفترض ان تسير عليها، ثم تجدها تغيّر هذه القواعد مع كل فرصة او خطر، أو تغييرها حتى بدون داعي، هذه الشركات يكون عمرها قصير جداً في هذا العالم التسويقي، لا تنجح بأي حال، ولو نجحت يكون نجاحها ضئيل غير مسموع، ويكون نجاح مؤقت.
سنيكرز تثبت على المبادئ التسويقية
من أجمل الأمثلة التي تصادفني وأفكر فيها دائماً بهذا الصدد هو الحال مع سنيكرز – Snickers، وسنيكرز شوكولاتة غنية بالفول السوداني، هي شكولاتة رائعة الطعم، ولكنها ايضاً مغذية وتشبع جوعك، ولكن اريدك من اليوم أن تركز مع إعلانات واستراتيجيات هذه الشركة تسويقياً، سوف تكتشف أن الأمر معها ليس مجرد منتج شوكولاتة مميز يبيع سنوياً بحوالي 2 مليار دولار فقط!، انه أكبر من ذلك ويعطيك انطباعات تسويقية هائلة.
اريدك ان تتفحص هذا الاعلان القديم..
ماذا ترى؟؟ بالفعل انه نفس الشعار القديم الجديد الأزلي ل سنيكرز – المتعلق بسد الجوع – والذي يتعدل بشكل بسيط للغاية من وقت لوقت، ومن مكان الى مكان “سنيكرز تشبعك حقاً” “سد جوعك” “انت مش انت وانت جعان” “انت مو انت وانت جوعان”.. الخ، ولكن يصبّ دائماً في فكرة أن هذه الشوكولاتة تشبع جوعك.
أولاً دعنا نعرف لماذا تصنع هذه الجملة الثابتة عبر السنين شركة او منتج قوي للغاية..
هل تعرف كيف نبني العلامات التجارية – Branding؟ “إن العلامة التجارية تبنيها الشركة بالاستمرار في توجيه رسائل تسويقية وترويجية تصبّ في فكرة تسويقية محددة، تصنع صورة ذهنية قوية ودقيقة في أذهان الناس”
هل تستطيع اذاً ان تقارن بين شركة ظلّت سنة تبنى موقعها الذهني وعلامتها التجارية، وبين شركة ظلّت 20 سنة تبنى صورتها؟! بالطبع سيكون الفرق شاسع (بافتراض أن الشركتين تعملان بنفس الشكل التسويقي الصحيح)، الشركة الأولى لم تحقق نفس الموقع الذهني القوي جداً الذي حققته الشركة الثانية.
بالتالي فإن الشركة تقوى وتحقق الانتشار وحب الناس لها، وذلك عن طريق الثبات لفترة كبيرة على نفس المبدأ التسويقي، ونفس الموقع الذهني المحدد، وهذا ما نراه في شركة مارس – Mars المنتجة لشوكولاتة سنيكرز.
اريدك الآن ان تتعرّف على أهم ما يساعد الشركة لتبني هذه المواقع الذهنية الثابتة، والتي تحقق لها القوة والثبات والتحكم في سوقها الذي اختارته.
عناصر الحفاظ على موقعك الذهني
بالطبع لكي تبنى وتثبّت الموقع الذهني عليك بأن تطور وتضع كل جهودك وعناصر استراتيجيتك وبرامجك التسويقية لكي تحقق هذا الموقع الذهني الذي اخترته، ولكن اريد ان اتكلم سريعاً عن اهم عاملين هنا تركّز عليهم الشركة، وهما المنتج، والترويج.
المنتج
سنيكرز اختارت شريحة الشباب المنطلق المتحمس، والذي ينال منه الجوع، فيحتاج لمنتج سريع، له مذاق رائع، ويحقق له إشباع حاجة الجوع. إذاً الموقع الذهني لسنيكرز أنها “أكثر شوكولاتة مشبعة”، ومن هنا تبدأ الشركة العمل على برنامج تسويقي متسق مع الموقع الذهني المطلوب إيصاله.
ما هو المنتج الذي ستقدمه الشركة؟ بالتأكيد هو منتج غنى بالمواد الغذائية التي تحقق وتشبع الجوع، مثل الفول السوداني (مكسرات غنية بالطاقة)، ونوجا وكراميل ولبن وسكريات، وكلها عناصر تساعد على تحقيق الهدف، والموقع الذهني الذي تبنيه أمام جمهورها المستهدف.
من فترة قدمت الشركة شوكولاتة سنيكرز بـ “فول سوادني أكثر”. شخصياً لم أحب مذاقها، تحسرت على طعم شوكولاتة سنيكرز الذي احبه، والذي لا يحتوي على هذا الكم الزائد من الفول السوادني، لماذا تفعل الشركة هذا؟ هل الشركة لا تدرك أن الفول السوداني أكثر غير محببّ إلىّ؟!! ولكن من يعبئ بي! ان الشركة تستهدف شريحة اساسية ولن تغير هذه الشريحة مهما حدث من أجلى.
هي زوّدت الفول السوداني لأنها ثابتة على الموقع الذهني الذي تريد تكوينه عبر السنين، انها تعمل على تطوير منتج يسدّ الجوع، نعم.. المذاق اللذيذ الرائع هو من ضمن مزايا الشكولاتة، ولكن مع كل حركة تتحركها الشركة تأتى الجملة التحذيرية داخلياً في الشركة “اثبتوا يا مديري التسويق في شركة مارس.. إننا نستهدف شريحة اساسية تريد سد الجوع وليس الاستمتاع بشوكولاتة سنيكرز”.
إذاً فالشركة تطور المنتج وعينها على الاستراتيجية التسويقية والمبادئ التسويقية التي تعمل طبقاً لها، ومع الوقت سوف يستقر في أذهان الناس الموقع الذهني لسنيكرز بكل قوة، وذلك عن طريق الثبات على تطوير منتج يحقق هذه الاستراتيجية.
الترويج
العنصر الثاني المهم جداً لبناء قوة واستقرار الشركة وموقعها الذهني في عقول الناس هو الترويج!
كيف تبنى سنيكرز موقعها الذهني عن طريق الترويج؟
يجب أن تعتمد الشركة على إيصال الرسالة الترويجية لها في كل الأدوات الترويجية بنفس القوة وفي نفس الاتجاه وهو بناء الموقع الذهني المرغوب، وبالتالي علينا ان نجد الرسالة الترويجية لشركة مثل سنيكرز، والتي تركز على فكرة المنتج المغذّى الذي يسد الجوع، يجب أن نراها بنفس القوة والتماسك في كل الأدوات الترويجية : الإعلان والعلاقات العامة والبيع الشخصي وعروض البيع، وحتى أدوات التسويق المباشر إن وجد في المعادلة التسويقية للشركة.
لكن دعونا بفكرنا التسويقي الدقيق والمنطقي نركّز اهتمامنا على العنصر الاهم في هذه العناصر الترويجية وهو الإعلان –Advertising.
أتذكر حينما أخبرتك من قبل أن هدف الإعلان هو نشر الوعى بالمنتج ووجوده ومزاياه – brand awareness؟ اذاً حان الوقت لكي نكرر هذا الكلام.
العلاقات العامة تبنى الثقة والمصداقية، عروض البيع هدفها تنشيط المبيعات، البيع الشخصي هدفه الاقناع والتواصل مع الناس، ولكن الإعلان هدفه إيصال الرسالة الترويجية عن المنتج لأكبر عدد ممكن من الناس.
لا تعتقد أن هدف الإعلان هو أن يشترى الناس.. أبداً! هدف الشراء هو من ضمن الأهداف الاعلانية، ولكن الهدف الرئيسي من الإعلان هو أن يعرف الناس، خصوصاً الفئة المستهدفة من الإعلان عن المنتج وعن مزاياه وفوائده بالنسبة إليهم، اما هدف الشراء فيتم تنفيذه في منافذ البيع وعن طريق عروض البيع، و بتكامل جميع الادوات التسويقية والترويجية.
هذا الكلام معناه اذاً ان الشركة عليها أن تضع خطتها الاعلانية وتنفيذها بشكل يكفل لها تحقيق هدف نشر المنتج بين الناس، وهذا سيكون من نتائجه الحتمية بداية تكوين الناس لفكرة معينة عن المنتج، قد تكون الفكرة هي ان هذا المنتج هو للفئة الراقية في المجتمع، او ان المنتج اقتصادي ويستطيع الجميع شرائه، او ان المنتج ريادي في مجاله ويحتوى على ميزة جديدة لم يروها من قبل، او أن المنتج يتميز بميزة شائعة ولكنها مهمة لهم.. مثل الأمان، الرفاهية، الفخامة، والمتانة، الصمود، السرعة، … الخ.
هنا يبدأ اهم جزء سوف يحدد مصير قوة الموقع الذهني الذي تحاول الشركة تكوينه وتثبيته، وذلك حين تستخدم الشركة اعلانات كلها تخدم موقع ذهني واحد ودقيق.
هل هذا أفضل أم أن نرى شركة تطور كل حملة اعلانية بناء على مزايا مختلفة وشعارات مختلفة وفئات سوقية مختلفة؟! هذا قمة الجهل التسويقي، وكل حملة اعلانية سوف تكون محسوبة على الشركة، اما تسحب من قوة صورتها الذهنية او تضيف اليها.
هذا هو السبب الذي اخترت من أجله حالة شركة Mars واستراتيجيتها التسويقية مع شوكولاتة سنيكرز. إنك تجد نفس الرسالة الاعلانية تقريباً منذ بدايات دخول المنتج في السوق والإعلان عنه الى الآن! هذا شيء مذهل بحق، لأنهم يعرفون ان كل حملة اعلانية تصب في نفس الفكرة التسويقية لهم هي في صالح تزويد قوة ودقة التموقع الذهني المطلوب تكوينه.
ايضاً تجد اعلاناتهم متشابهة، بل احياناً متطابقة مع اختلاف شخصيات من يظهرون في الاعلان فقط، وذلك عند تطوير نفس الحملة في أكثر من بلد، سواء بلاد عربية أو أجنبية، وبالتالي تخيل شركة تقدم حملاتها الاعلانية في كل وقت وكل مكان في نفس نطاق الرسالة الترويجية ونفس الفكرة الاعلانية، كيف تكون قوة موقعها الذهني بعد سنين من تطبيق هذه الاستراتيجية التسويقية العبقرية؟! اجعل حملاتك الترويجية كلها متسقة لتخدم الموقع الذهني الذي اخترته لنفسك، وطور منها مع الوقت.
حالة سنيكرز هي مجرد مثال لكن هناك العديد من الشركات العملاقة حول العالم تفعل المثل، فشركة مثل ريد بول مثلا تصرف ملايين على شراء الأندية والمسابقات الرياضية المليئة بالمغامرة والخطورة، لتثبت موقعها الذهني بأنها الراعي الأول في العالم للطاقة والنشاط. لن تجد ايفنت رياضي حول العالم – حوله زحام من الجمهور المستهدف – إلا وسوف تجد ريد بول إما معلنة أو راعية للايفنت – Sponsor، أو حتى مالكة لفريق من فرق التنافس، مثل فريق ريد بول الشهير في الفورميلا وان، وفريق كرة القدم الشهير في الدوري الألماني ريد بول لايبزج.
في النهاية، اريد ان الفت نظرك لملاحظتين مهمين:
الأولى هي ان عناصر المزيج التسويقي، أو البرامج التسويقية، جميعها مهمة من أجل بناء مواقع ذهنية عن المنتجات.
لنفترض أنك تود بناء موقع ذهني ان المنتج خاص بشريحة من الناس عالية الدخل ويعيشون في أرقى المناطق، حينها سوف تستعمل جميع عناصر المزيج التسويقي في صالح تكوين الموقع الذهني. سوف تطور منتج عالي الجودة، وسوف ترفع من سعرك حتى يربط الناس منتجك بالجودة والتميز، وسوف تستخدم منافذ ومتاجر بيع في اماكن راقية وتتميز ايضاً باستهداف الطبقة الراقية لها، واخيراً سوف تكون رسالتك الترويجية خاصة بهذه الفئة صاحبة الدخل العالي، وسوف يظهر هذا ايضاً في مستوى إخراج الرسالة الترويجية.
لكن تركيزي على عاملي المنتج والترويج هنا هو ان الموقع الذهني سوف يكون اقوى عندما يكون اكثر تحديداً من مجرد كون المنتج مرتبط بجودة عالية وموجه للشريحة صاحبة الدخل المرتفع. فكما ترى في حالة سنيكرز أن الموقع الذهني محدد جداً.. “هذا المنتج يشبع جوعك”.
الملاحظة الثانية أن الكثير يرى ان الاعلان فقط هو ما يبني الموقع الذهني، هذا ربما يكون صحيحاً في حالة المنتجات الصعب فيها التميز او التغيير، مثل بيبسى، فبيبسي كونت موقعها الذهني على أنها تقدم منتج لطائفة الشباب المتحمس الطموح المنطلق، ولكن كيف لها ان تستخدم طعم ومكونات المنتج في بناء هذا الموقع الذهني.
بيبسى معروف ان مذاقها محّلى أكثر من طعم كوكا كولا (وهذا يفي بغرض بناء موقع ذهني ملئ بالنشاط لأن المنتج مزود بسكريات أعلى) ولكنهم تركوا هذه المقارنة جانباً، يكتشفها من يكتشفها ويجهلها من يجهلها، وركزوا على عنصر الترويج والإعلان لكى يبنوا لأنفسهم صورة ذهنية للمنتج على أنه منتج شبابي، هنا نجد أن أهم عنصر في عناصر المزيج التسويقي لبيبسي هو عنصر الترويج، الوضع اذاً مختلف مع شوكولاتة سنيكرز والتي تعتمد على عاملين في قمة الاهمية، وبالتالي أراها اجدر في الدراسة التسويقية في جانب بناء الموقع الذهني.
الوقت والتكرار – Time/ Frequency
لا يوجد أي استفادة مما ذكرناه في هذه المقالة بدون عنصر الوقت والتكرار! بدون أن تكرر الشركة رسائلها الترويجية باستمرار وبثبات وعلى فترات زمنية طويلة، وبدون تطوير مستمر للمنتج، فلن يتم بناء الموقع الذهني بشكل صحيح.
تخيل أن شركة قامت بتطوير المنتج، وأخرجت رسالة ترويجية واعلانية خارقة، لكن اكتفت بذلك في عام أو عامين ثم توقفت! بالطبع لن تستطيع أن تحقق شيء يذكر في الثبات والحفاظ على الموقع الذهني. لذلك لكي تبني موقع ذهني وتحافظ عليه، وتدافع عنه ضد شركات متنافسة تملك حتى ميزانيات أكبر، عليك أن تطور المنتج والترويج بشكل يبني رسالتك التسويقية، وموقعك الذهني، مع الثبات على ذلك لأطول فترة ممكنة، مع أقصى تكرار تستطيع فعله!
التموقع/التموضع الذهني لا يأتي إلا بالتكرار والاستمرار والثبات. شركة مرسيدس مثلا كونت موقع ذهني بأنها براند الفخامة والرقي الاجتماعي ليس من خلال إعلانين أو ثلاثة فقط! لكن من خلال الاستمرار وتكرار نفس الرسالة الترويجية (التي تحمل موقعها الذهني) على أذهان الناس سواء من خلال الإعلانات أن من خلال أنشطة تسويقية أخرى.
إذاً لكى تقوم الشركة بتطبيق تموضع ذهني قوي عليها أن تدرك أن هذا لا يحدث في ليلة وضحاها، المواقع الذهنية تتكون عبر الأعوام، تتكون عبر الثبات في تقديم رسائل تسويقية متناسقة تذهب كلها في خدمة الموقع الذهني للبراند!
تجد الشركات اليوم تطوّر إعلانات عشوائية و(ساذجة) من الناحية التسويقية، فكيف لشركة تريد تكوين موقع ذهني مميز لها في السوق أن تطوّر كل حملة إعلانية بناء على فكرة تظن أنها مبدعة، ولكن هذه الفكرة لا تصب في خدمة الموقع الذهني التي حددته، هذا يؤدى إلى فشل ساحق للشركات مع الوقت، تخيل أن كل اعلان وكل حملة اعلانية وترويجية تشير لفكرة ورسالة تسويقية مختلفة، كيف يؤدي هذا التشتت إلى بناء موقع ذهني قوي؟!
قارن هذا التشتت التسويقي بما فعلته شركة مارس – Mars مع منتج سنيكرز – Snickers لتبني موقعها الذهني بكل قوة عن طريق الثبات على المبادئ التسويقية والتطبيق المستمر لموقعها الذهني في حملاتها الإعلانية وفي استراتيجية تطوير المنتج.
لذلك مهم جدا أن تضع في الاعتبار هذه المعادلة المكونة من 3 عناصر لكي تستطيع تطبيق تموضع ذهني قوي – وثابت – في السوق: المنتج + الترويج + التكرار
إن التموضع الذهني هو جزء أساسي لعمل خطة تسويقية قوية، وبالتأكيد فإن الشركة التي لا تعمل طبقا لخطة تسويقية صحيحة فإنها تضل الطريق، حتى لو كانت تحقق بعض المكاسب التسويقية على المدى القصير، وإذا استطاعت الشركة أن تعرف من خلال خطتها التسويقية ما هو السوق المستهدف – Target Market بشكل صحيح، ثم كونت موقع ذهني يراه هذا السوق المستهدف بشكل دقيق، فسوف تحقق النجاح التسويقي بلا شك!
قانون التركيز في بناء الموقع الذهني – Law of Focus
من أشهر قوانين البراندينج التي تحدث عنها آل رييز في كتابه الشهير، 22 قانون لبناء البراند، ذكر أن الشركة عليها التركيز على موقع ذهني محدد، وأنه كلما زادت المواقع الذهنية التي تحاول البراند بناءها، قلت قوة الموقع الذهني، وقلت معه قوة البراند.
كل ما أشرح هذه النظرية في دوراتي التدريبية، يصادفني من يعتقد أني أقول أن عليك أن تنافس بميزة واحدة فقط! وهذا بالتأكيد عكس كل المنطق في الدنيا! يجب أن تنافس بالعديد من نقط التميز والبيع، لكن ما أقصده هو أن تقوم بترقية ميزة واحدة، أو عدة مزايا تحت إطار موقع ذهني واحد، كما أخبرتك من قبل في نقطة كيفية بناء الموقع الذهني.
ليس آل رييز فقط هو من ركز على تركيز الشركة على موقع ذهني محدد، بل كل عمالقة التسويق ركزوا على نفس الفكرة، وكان أشهرهم روزر ريفز – عملاق الإعلان – الذي ابتكر مصطلح عرض البيع الفريد – Unique Selling Proposition، والذي يطالب كل شركة بتطوير عرض وميزة خارقة فوق كل المنافسة تنافس بها في التسويق والترويج والإعلان، وتبني عليها كل الحملة التسويقية. إذا لم تدرس في التسويق سوى مبدأ البيع الفريد ل روزر ريفز، فربما يكفيك هذا! إن هذا الرجل خرج لنا بخلاصة النجاح في السوق. يجب عليك ان تمتلك ميزة فريدة لا يقدمها المنافسون، وهذه الميزة يجب أن تقدمها لسوق متعطش للغاية، بهذا تضمن النجاح.
هل روعة أودي تؤذيها؟!
أودي – Audi من أروع السيارات فى العالم، وهي تحفة ألمانية بكل معنى الكلمة. أودى سيارة سريعة قوية آمنة ذات محرك مذهل، وفيها من وسائل الترفيه والتكنولوجيا، إنها سيارة متكاملة!
أودي – وعلى الرغم من كل ذلك – تعاني تسويقيا على مستوى البراندينج عندما توضع مع مرسيدس وبي أم دبليو، الأشقاء الأعداء لها! مرسيدس تتميز بالفخامة، ويشتريها الأشخاص الأثرياء الذين يريدون خلق انطباع المستوى المادي العالي (حتى لو لم يكن مستواهم الاجتماعي ليس كذلك في أوقات كثيرة)، أما BMW فيشتريها الشباب ومحبي متعة القيادة، لكن أودي لماذا تشتريها!
اشتهرت أودي بإعلاناتها التي تُظهر فيه المنافسين، وكأنها تمتلك كل شيء جيد من المنافسين، مثل الأمان في فولفو، الاعتمادية في تويوتا، الفخامة من مرسيدس، المتعة في بي إم، وكل ذلك في سيارة واحدة!
إعلان رائع! أليس كذلك، إنه ببساطة يحكى قصة إبداع اودى، ويحكى مشكلتها في نفس الوقت، انها تمتلك بالفعل مزايا تنافسية، أكثر من ميزة قوية للغاية، ولكن في نفس الوقت لا تستطيع أن تبني موقع ذهني واحد على ميزة خارقة منهم.
هناك سبب نفسي لنجاح فكرة التركيز على ميزة فريدة أو موقع ذهني واحد، وهو أن الناس تحب تبسيط الأمور، عقولهم تريد ذلك، الأسهل علينا هو تذكر صفة قوية بدلاً من عدة صفات قوية، هذا هو سر قوة الموقع الذهني.
نايكي أيضاً أخطأت في وقت من الأوقات، عندما حاولت الدفاع عن نصيبها السوقي في أمريكا ضد البراند – الجميلة في أشكالها – ريبوك. نايكي منذ بدايتها تقدم أحذية رياضية قوية وبالغة التحمل، جلبها فيل نايتس خصيصاً من اليابان لأمريكا لكي ينافس الأحذية الرياضية الامريكية الضعيفة والتي لا تصلح للرياضات التي تحتاج قوة تحمل واهلاك كبير.
عندما دخلت نايكي في الثمانينات في سباق مع ريبوك – Reebok على ميزة أخرى، هي ميزة جمال الحذاء الرياضي، فقدت نايكى كل شيء! وتراجعت مبيعاتها امام شركة ركزت على ميزة فريدة قوية علقت بأذهان الناس، خصوصاً رياضي الألعاب الهوائية الخفيفة – Aerobics. راجع هذه الحالة التسويقية الرائعة لنايكي.
هل ميزة تنافسية وحيدة تكفي؟
إذاً مرة أخرى، أنا لا أقصد أنت تنافس بميزة واحدة فقط! يجب أن تحتفظ بمزايا عديدة عن المنافسين، ولكن يجب أن يرتبط موقعك الذهني في السوق وفى عقول المشترين بميزة فريدة لا يستطيع احدهم ان ينافسك فيها، بهذه الطريقة سوف تأتي الأزمات وتنتهي، وأنت ثابت في عقول المنافسين، من يريد ان يشترى فخامة سيشترى مرسيدس، ومن يريد ان يشترى امان، فسيشترى فولفو – Volvo ، ومن يريد ان يستمتع بتعقيد وابتكار وجمال التكنولوجيا سيشترى آبل – Apple، ومن يريد ان يتعامل مع بائعين ودودين فسيتعامل مع فيرجن – virgin، ومن يريد ان يرسل شحنة أو بريد عن طريق أشخاص يتفانون في خدمته فيستخدم فيدكس – FedEx.. الخ لا يوجد اروع من صفة فريدة واحدة قوية فريدة نتذكرها عن منتجاتنا المفضلة!
هل يمكن تعديل أو تغيير الموقع الذهني؟
من أخطر ما يمكن فعله هو تعديل وتغيير موقعك الذهني، كما أخبرتك في القسم السابق أن الثبات على الموقع الذهني سوف يقويه ويجعلك تحافظ عليه بأفضل شكل ممكن.
في أوقات نادرة تحتاج لإعادة التموضع الذهني، وهناك العديد من الأسباب لفعل ذلك، من أهمها مشكلة انخفاض المبيعات المستمر، والذي يكون نتيجة هبوط منحنى النمو للبيزنس، حينها قد تحتاج لإعادة بناء شركتك في مجال آخر أو في موقع ذهني مختلف.
من ضمن الأسباب الهامة أيضا لإعادة بناء الموقع الذهني هي ملاحظتك لفرصة تسويقية في شريحة سوق مختلفة، مثل حالة مشروب الطاقة لوكوزيد، فلوكوزيد كان مشروب طبي – دواء للأطفال – في الأساس، وكان يتم يتناوله الأطفال في فترة النقاهة من العمليات لكي يعطيهم طاقة. مع الوقت قررت الشركة توجيه المنتج لشريحة الشباب والرياضيين، وبالتالي أصبح مشروب طاقة بدلا من كونه دواء للأطفال.
إذاً تعديل الموقع الذهني للبراند، قد يكون مفيد ومطلوب أحيانا، لكن مرة أخرى، عليك بحساب الأمر ألف مرة، لأن تعديل الموقع الذهني يعني تعديل الاستراتيجية بشكل كامل، وطالما عدلت الاستراتيجية فالمزيج التسويقي سوف يختلف بالكامل، وهذا مجهود كبير، ومخاطرة، عليك سؤال نفسك، هل أنت مستعد لها أم لا.
السلام عليكم.
شكرن استاذ حسام على الموضوع الرائع. عندي سؤال لو سمحت هناك بعض الشركات مثل بروكتر اند قامبل و بيبسي تنتج منتجات متشابه جدا مثل شركة بيبسي تنتج pepsi diet and pepsi one-max وكل المنتجين نفسة diet كيف ممكن ان شركة تقدر ان تستطيع ان تدير هذه المهمة وكيف يمكن انا تجعل لكل منتج صورة ذهنية مختلفة ؟ شكرن
السلام عليكم
نبغى موضوع عن " الصورة الذهنية " مع دراسة حالة لهذا الموضوع فيه ألمام كامل
أو كتاب فيه هذا الموضوع
وشكرررراً
ضرررووورري