استخدام الملاحظة في البحث التسويقي | تجربة فنادق ماريوت
سأعرفك في هذه المقالة على طريقة استخدام الملاحظة في البحث التسويقي، وهي طريقة تستخدمها لحل المشاكل، ولكن أيضاً قد تستطيع استخدامها لتحديد سلوك زبونك المستهدفك وبالتالي تقديم له تجربة شراء واستخدام أفضل.
من أكثر الوسائل أهمية فى التسويق، وخصوصاً فى مجال البحوث التسويقية، هى طريقة الملاحظة – observation، وهى أنك ترى وتشاهد عن قرب عملائك وتتفهم طبيعتهم وطبيعة استخدامهم للمنتج، وبالتالي تستطيع الحصول على أدق المعلومات التي حتى لا تتيحها الطرق الشائعة فى جمع المعلومات مثل المسح السوقي – survey، والذي من أشهر أدواته الاستبيان – questionnaire.
عندما نزل مندوبين من فنادق ماريوت العالمية، ليعيشوا ويتفاعلوا مع رواد الفنادق فى 12 مدينة ولمدة 6 أسابيع، كان هدفهم بلا شك هو الملاحظة، والتى أثبتت فعاليتها وقوتها ودورها فى نجاح وتنمية الخدمات التي تقدمها فنادق ماريوت.
أسلوب الملاحظة هو أسلوب عتيق من الأساليب التسويقية، والتى يُشهد لها بتحقيق نجاحات كبيرة، فانظر لمعظم المشاريع الناجحة، تجد أن ورائها من لاحظ …
كيف يفعل الناس هذا الأمر؟ ماذا ينقص هذه المنطقة الجغرافية؟ ماذا ينقص هذه الفئة من المجتمع؟ لماذا لا يتم تقديم المنتجات والخدمات بهذا الشكل؟… الى آخره من الأسئلة التى ساعدت رواد الأعمال ومؤسسى الكيانات الناجحة على الخروج بنتائج كبيرة سهلت لهم رحلة النجاح.
مميزات أسلوب الملاحظة في البحوث التسويقية
أسلوب الملاحظة، وهو أسلوب وطريقة من طرق البحث التسويقي، يتميز بالعديد من المزايا من ضمنها:-
- الشركات تستطيع الخروج بملاحظات وبالتالى نتائج تسويقية هامة بدون التطفل على الناس أو التدخل في خصوصياتهم، وذلك عكس ماقد تحدثه استبيانات السوق، عن طريق سؤالهم عن المعلومات التى تحتاجها الشركات.
- الناس فى الغالب لا يعرفون بدقة ماذا يريدون وماذا يحتاجون وكيف يتصرفون شرائياً،.. هذا ليس عيباً فى المشترين، ولكنه طبيعة فيهم. جرّب أن تسأل أحدهم ما الذي ينقصك في هذه الخدمة، أو ماذا وجدت من مشاكل أثناء استخدامك للمنتج..، حينها ربما تحصل على إجابات أقل دقة بكثير من لو لاحظت سلوكه ورأيت كيف يتفاعل مع المنتجات والخدمات.
- أسلوب الملاحظة بجانب دقته، فيه ميزة السرعة في الحصول على النتائج، فالصورة الواحدة الصحيحة تغنى عن الكلام الكثير.
- أسلوب الملاحظة، يصل أحياناً لكونه أسلوب مجانى، فليس هناك تكاليف تجميع وتحليل البيانات كما هى فى الاستقصاءات فى مسح السوق – survey (وعلى الرغم من ذلك فكثير من أساليب الملاحظة المتطورة تحتاج لتكاليف كبيرة).
و لضمان نجاحك فى تطبيق أسلوب الملاحظة، يمكنك الاستعانة ببعض الأدوات منها:
- حاول تطبيق الملاحظة لفترة أطول من الوقت على نفس الظاهرة. فبالتأكيد كلما زادت الفترة الزمنية للملاحظة، زادت بالتالي دقة النتائج، وذلك بسبب أن صورة واحدة لا تكفي، وقد تكون الصورة الخاطئة في الوقت الخاطئ. عليك بالملاحظة أكثر من مرة ولفترة طويلة حتى تحصل على أصح وأدق النتائج.
- إذا كنت تلاحظ تفاعل المستخدمين مع المنتج، حاول تصوير الملاحظة بكاميرا فيديو أو بأى وسيلة مناسبة، (بعد الاتفاق أو استئذان المستهدفين من الملاحظة)، و بعد تسجيل هذه الفترات الاختبارية، ابدأ فى تفسيرها من خلال مشاهدتها عدة مرات.
- يُستحسن أن تستعين بالخبراء في هذا المجال، فإذا كان الأمر يتعلق بمنتجات اطفال، حاول ان تستعين في تفسير ما صورته، أو ما تشاهده، بخبراء فى مجال الأطفال أو منتجات الأطفال، وذلك للحصول على نتائج وتفسيرات صحيحة.
- حاول ألاّ تفسر النتائج وحدك، استعن بفريق، واستمع لوجهة نظر كل فريق، وهذا من الأمور الهامة جداً، فكل شخص له وجهة نظره وتفسيره للأمور، وذلك سيساعد جداً فى توضيح الأمور الغير مفهومة، عندما تتلاقى وجهات نظر مختلفة لتفسير ظاهرة واحدة.
عندما أراد متجر ألعاب الأطفال الشهير فيشر برايس – Fisher-Price تقديم ألعاب جديدة للأطفال قدم نموذج رائع لطريقة الملاحظة فى بحوثه التسويقية للتأكد من قوة وجودة منتجاته بالنسبة للأطفال، فبدأ فى تجميع الأطفال فى مختبرات للدراسة، بالطبع لم تأخذ شكل المختبرات على الإطلاق، ولكن كان غرف طبيعية كالتى يعيش فيها الأطفال ويلعبون بألعابهم فيها…، وبدأت الملاحظة.
بدأت الشركة فى تطوير معامل خاصة لاختبار المنتجات الجديدة، وضعت فيها الألعاب، ومعها الأطفال الذين تفاعلوا مع الألعاب، وبدأت الشركة فى تسجيل وتصوير مايحدث فى هذه المعامل، وتفسيره بواسطة الخبراء فى المجال، وبالتالى تستطيع الشركة تقديم أكثر تلك المنتجات أهمية وتشويقاً للأطفال، والبعد عن المنتجات التى لم تحظى باهتمام الأطفال لفترات كبيرة.
شاهد الملاحظون من شركة فيشر عينة الأطفال وهم يستجيبون للألعاب الجديدة، بعضهم يستجيب لها ويتفاعل معها، وبعضهم يلقيها جانباً، بعضهم تجذبه فيها بعض الخصائص، .. وهكذا، حتى استطاعوا تكوين صورة دقيقة عن جودة عن هذه الألعاب الجديدة تحت التجربة.
ماذا تفعل إذاً إذا كان البحث التسويقى ليس على الأطفال بل على الفئة البالغة أو رجال أعمال مثلاً..؟
واجهت فنادق ماريوت – Marriott الشهيرة موقف تسويقي عندما أرادت ملاحظة سلوك العملاء والفئة المستهدفة التى تقيم فى فنادقها والفنادق المنافسة، أرادت أن تعرف كيف يتصرف هؤلاء الناس، كيف يقضون أوقاتهم، ماذا يجذبهم فى هذه الفنادق، وماذا ينقصهم، وبدأ التسويقيين في ماريوت تطبيق الملاحظة من أجل اكتشاف ذلك..
استعانت ماريوت بشركة استشارات فى التصميم اسمها IDEO، وهى شركة غريبة نوعاً ما نوعها، تعتمد على الرسومات والتصميمات من أجل فهم الخصائص الإنسانية و تزويد الشركات فى مجال الأعمال بها من أجل فهم هذه الخصائص وتطبيقها على الواقع العملى والتسويقى لديها..
أرسلت الشركة الاستشارية مجموعة ضمت خبراء و مصممين و كاتب ومهتم بالخصائص الثقافية والاجتماعية – anthropologist،ونزل الفريق لمدة 6 أسابيع فى رحلة تفاعل مستمرة مع نزلاء الفنادق، طلب من النزلاء في هذا التفاعل والتعايش كل ما يتعلق بأسلوب حياتهم وتفاعلهم مع الفنادق، وطلبوا أن يرسموا مايفعلوه النزلاء في الفنادق ساعة بساعة، وتم تغطية 12 مدينة بهذا الاختبار..
كانت النتائج التي حصل عليها التسويقيون في ماريوت رائعة، وكان أكبر اكتشاف حصلو عليه أن النزلاء لايستمتعون إطلاقاً بهذه الفنادق، فهى بالنسبة لهم غرفة مظلمة كئيبة، هدفها تمضية الوقت فقط، وهو ما عالجه التسويقيون في ماريوت بعد ذلك بزيادة جزء الترفيه بجانب الغرف الخاصة بالنزلاء، للتغلب على مشكلة الكآبة والضيق التى تعانى منها غرف الفندق..بالمناسبة ..
كان التسويقيين فى ماريوت يطبقون ما يطلق عليه الآن فى علم التسويق، البحث الاجتماعى او الثقافى – Ethnographic research وهو أيضاً جزء و طريقة من طرق البحث القائم على الملاحظة – Observation Research، ويعني أنك ستكوّن فريق هدفه الملاحظة، ولكن عن طريق التعايش والتفاعل مع عينة من الناس بهدف فهم طباعهم وميولهم وسلوكهم الاجتماعى والثقافى، والذي يختلف بالطبع من شريحة لشريحة من الناس والعملاء.
عموماً طريقة الملاحظة يكون هدفها حل المشاكل التسويقية وغير التسويقية، وتستخدمها للحصول على معلومات لا تستطيع الحصول عليها بالأبحاث الوصفية التقليدية والتى من أدواتها مثلاً الاستبيان..
فمثلاً عندما تخسر الشركة موظفيها، أو عندما يكون معدل دوران العمالة – Turnover عالى، فليس من الدقيق أن تذهب فتسأل الموظفين لماذا يتركون الشركة ويذهبون لشركات أخرى، ولكن الأدق فى هذه الحالة هي طريقة الملاحظة، فتبدأ حينها في تطبيق بحث تسويقى منظم، هدفه اكتشاف هذه المشكلة عن طريق الملاحظة..
ستلاحظ فى هذا البحث مثلاً، كيف يتفاعل الموظفين مع بعضهم البعض، كيف يعاملهم مديرينهم، ما هي بيئة العمل ونظافة المكاتب، ماهى درجة الالتزام في دفع المرتبات والحوافز، .. الخ، حتى تكتشف أين تقع المشكلة وتعالجها..
عيوب أسلوب الملاحظة في البحوث التسويقية
لن نستطيع أن نسميها عيوب لأسلوب الملاحظة فى التسويق والبحوث التسويقية، ولكن قد نستطيع نعدد بعض الحالات التى ربما لا تكون نتائج الملاحظة بالدقة الكبيرة، وهى على سبيل المثال:-
- فى حالة رصد المشاعر. وبالطبع لن تستطيع أن تلاحظ كيف يشعر المشتري أو مستخدم الخدمة، ومستوى رضائه عنها، فهو قد يظهر بعض الملاحظات الهامة فى كيفية تفاعله مع المنتج أو الخدمة، وقد تبدو عليه بعض العلامات المادية التى تظهر تلك المشاعر، ولكن إذا أردت تقييم أدق، فتستطيع سؤاله عن مشاعره ورأيه فى المنتج أو الخدمة. هذا ليس انتقاصاً من قيمة الملاحظة، و لا تفوق فى أهمية الاستبيانات، ولكن تأكيد على أن أفضل النتائج التسويقية على الإطلاق هى التى تندمج فيها استخدام الأدوات التسويقية، مثل الملاحظة بجانب مسح الأسواق وسؤال المسُتهدفين.
- لأن الصورة هامة جداً، وتعطى انطباعات أقوى من الكلام والنقاش، فإنك ربما ترى صورة سلبية او ايجابية لتفاعل الناس مع المنتج او الخدمة تجعلك تتسرع فى إخراج النتائج. من عيوب أسلوب التسويق بالملاحظة هو التسرع فى الحكم، وبالتالي فعليك بأنت تطيل فترة الملاحظة قدر الإمكان حتى تحصل على أدق النتائج الممكنة. قد ترى أحدهم يستخدم المنتج وهو فى حالة من الضجر، فتتسرع في الحكم بأن المنتج سيئ، ولكن ما أدراك أن هذا الشخص يعانى من مشكلة ما فى هذا الوقت بالتحديد؟. بالتالى الأدق هو أن ترى نفس الشخص يستخدم نفس المنتج لأكثر من مرة أو لفترة أطول من الزمن، حتى تتأكد من ان المشكلة فى المنتج ام يوجد عوامل خارجية أخرى تؤثر على أسلوب الملاحظة ودقة نتائجه.
- الملاحظة يجب أن تتم من بعيد، حتى لا تقتحم خصوصية أحدهم، فبالطبع لن يكون من الجيد أن تذهب فى مطعمك لتجلس بجانب أحد الزبائن، ثم تتفحص فى كيفية أكله الوجبة، و ما يقوله عنها لمن يجلس معهم على الطاولة! هذا ليس أسلوب الملاحظة المقصود.
وبالتالى إما أن تطبقه من بعيد، فتلاحظ ماذا يطلب الناس في المطعم، من ماذا يشتكون، كيف يتعامل معهم أفراد تقديم الخدمة، كيف يتعاملون ويتفاعل رواد المطعم مع بعضهم أثناء الأكل، وكل ذلك حتى تطور وتحسن من الخدمة.
الأفضل بالطبع من أن تلاحظ من بعيد، هي أن تتفق مع المستهدفين في تسجيل ما يحدث أثناء تفاعلهم من المنتج، وذلك مثلاً كما فعلته كوكا كولا عندما لاحظت بالطرق الحديثة جداً درجة استجابة المسُتهدفين مع طعم كوكا كولا المُحلى أكثر، أو ما فعله الخبراء فى شركة فيشر مع منتجات الأطفال كما قرأت منذ قليل.
مدونة رائعة وفكرة مميزة ومقال ممتاز شكرا لك وبارك الله فيك …