الترويج والإعلان

تجارب الشراء | كيف تحول السلعة لتجربة شراء متكاملة

في هذه المقالة سوف أعرفك على مصطلح تجارب الشراء، وسوف أعطيك بعض الأمثلة عليه مثل ميني كوبر، وهارلي ديفدسون، مع تجربة عملية شخصية لي مع مجلة ناشيونال جيوغرافيك.

لم يعد هناك كيان في العالم غير مؤهل ليدخل في نطاق علم التسويق. هذه الحقيقة يجب أن تنتبه لها تماماً، فبإتقانك أو على الأقل إلمامك بعلم وفن التسويق سوف تستطيع أن تسوق لأي كيان يمكنك تخيله، سواء كان خدمات، منتجات، أشخاص، معلومات، أفكار، الخ.

طالما تملك في جيبك السحري – التسويقي – استراتيجية تسويق وبرامج لتنفيذ هذه الاستراتيجية تتمثل في مزيج تسويقي عبقري، كما تملك أدوات لقياس كفاءة خطتك التسويقية وتطبيقها، وتعرف في الأساس كيف تحدد احتياجات سوقك وتكتشف ثغراته، إذاً أوكد لك الآن.. لا يوجد كيان لا تستطيع التسويق له.

هذه المرة أتكلم بشكل عام عمّا فعله عمالقة التسويق عندما حوّلوا المنتج والخدمة وباقي الكيانات المسوق لها إلى ما يعرف باسم تجارب الشراء – Market Experiences.

لكن قبل الدخول في شرح تجارب الشراء مع سرد حالة عملية عليها دعني أولا أخبرك عن مصطلح هام آخر، وهو المجتمع التسويقي.

ما هو المجتمع التسويقي؟

المجتمع التسويقي – Marketing Community أقصد به شريحة متعطشة لمنتج ما أو خدمة، لكن بدلا من دفع رسالتك الترويجية ومنتجاتك بشكل مباشر وصريح، عليك أولا بناء مجتمع حول هذه السلعة أو الخدمة، هذا المجتمع سوف يتم بناءه على تشويق أو فائدة أو أي ميزة أخرى، ويكون دخول السلع والخدمات لهذا المجتمع المتعطش أكثر سهولة.

يمكنك بناء المجتمع التسويقي عبر عدة طرق، من أبرزها كتابة المحتوى التسويقي، والانباوند ماركتينج، ويمكنك فعل ذلك بشكل أكثر ديناميكية وسرعة عن طريق تجارب الشراء – Experiences. وفي هذه المقالة سوف أركز على فكرة تجارب الشراء.

من أشهر الأمثلة بالنسبة لفكرة تجارب الشراء هو ما تمر به في الأسواق الاستهلاكية العملاقة – Hypermarkets، فتلك الأسواق لم تعد تلك الروتينية التي تسرع في اقتحامها وشراء فقط ما تحتاج شراءه ثم تسارع في الخروج، إن أغلب هذه الأسواق تملأ عقلك بمئات من العروض والتخفيضات، والعروض التقديمية المبهرة – Sales Promotions لمنتج هنا أو هناك، ثم تجد السحوبات على الجوائز، ما يضفي إثارة أكبر على التجربة الشرائية، هذا غير العينات المجانية التي تتحفك بها بعض الشركات التي تطلق منتجاتها الجديدة.

خذ مثلاً ما تفعله كثير من محلات الألعاب العالمية الآن، تدخل الطفلة فتجد دميتها (عروستها) المفضلة، فتشتريها، ولكن لم يعد الأمر مجرد شراء، فهذه المحلات العملاقة توفر مكان (كوافير) حيث تستمتع الطفلة بتسريح شعر الدمية، ثم تدخل إلى مطعم (حقيقي) لتتناول وجبتها المفضلة مع دميتها الجديدة، وستجد أيضاً مكان لشراء الملابس المفضلة لدميتها (المحظوظة)!

من أشهر الشركات التي لعبت على وتر تجارب الشراء الممتعة كانت شركة “ميني كوبر” الشهيرة، والتي تسمح للزبائن بالدخول إلى موقعها الإلكتروني واختيار موديل السيارة المناسب واختيار اللون المفضل لهم ثم اختيار وتركيب جميع الكماليات بدئاً من الكاسيت حتى أدق التفاصيل الممكنة، ثم إرسال طلب لشراء هذه السيارة المجمعة على يد الزبون العزيز.. فتصله السيارة إلى مكانه.

تجارب الشراء - ميني كوبر
تبدع ميني كوبر في تحويل موقعها الإلكتروني أداة لكي تصمم سيارتك بنفسك!

على الرغم أن ميني كوبر تتميز بهذا النوع من التسويق والابتكار فيه، إلا أنه أصبح شائع، وهو ميزة تنافسية كبيرة لكثير من الشركات، التي تحاول تصميم تجربة فريدة لكل زبون على حدة! هذا يُدعى التسويق الفردي.

أروع التجارب الشرائية في عالم التسويق “هارلي ديفيدسون” الدراجة النارية الأشهر بين محبي الدراجات النارية، إنك لا تشترى دراجة نارية.. بل تدخل في عالم كامل من الولاء لهذه العلامة التجارية، فأنت الآن في مجتمع اسمه هارلى ديفيدسون، نوادي هارلى ديفيدسون، شباب الهارلي ديفيدسون، شعارات هارلى ديفيدسون، الجواكت الداكنة السميكة الشهيرة لراكبي دراجات هارلي ديفيدسون، مسابقات واحتفالات هارلى ديفيدسون الشهيرة الأسبوعية على شواطئ “دايتونا” بولاية فلوريدا.

تجارب الشراء - هارلي
من أفضل الأمثلة في العالم على تجربة الشراء هارلي ديفيدسون، فأنت لا تشتري دراجة نارية، بل تدخل في مجتمع تسويقي متكامل.

ببساطة.. التجربة الشرائية هي فكرة تحويل المنتج أو الخدمة بأشكالهم المجردة الروتينية إلى تجارب كاملة متكاملة تشجعك على الشراء، وتجعل من الشراء متعة.

السر في نجاح هذا الأسلوب الجديد تسويقياً أنه ببساطة يشبع أكثر من حاجة نفسية لدى المشترى في نفس الوقت، فإذا كانت المنتجات في شكلها المجرد تشبع حاجات أساسية، فهي من خلال تجارب الشراء ربما تشبع بجانب هذه الحاجة الأساسية الحاجة الاجتماعية أو الحاجة إلى تحقيق الذات أو الإنجاز، أو غيرها من الحاجات الأخرى التي تلعب عليها الشركات تسويقياً.

تجربتي مع مجلة ناشيونال جيوغرافيك

بعد تخرجي عملت بشركة/ دار نشر تُدعى نهضة مصر، كانت هذه الدار مسئولة عن الترويج لمجلة ناشيونال جيوغرافيك في مصر، وتوزيعها.

في حين كنت أتعشم ممارسة التسويق بشكل عملي، فجلست مع أحد المديرين هناك بعد انفصالي عن الشركة، بسبب فرصة تعييني بالتدريس بالجامعة، ورشح لي هذه المجلة، ومحاولة تقديم خدمة تسويق لها في مصر، لأن مبيعاتها ضعيفة.

وجدت أمامي فرصة لتطبيق التسويق، لكن مع مجلة بمبيعات ضعيفة لا تذكر، بمحتوى علمي، قد يكون ممل على الشريحة المستهدفة منه. مع العلم أن هذه المجلة كانت مخصصة للأطفال، في حين أنها تقدم هنا للشباب، بمعنى أن هناك أخطاء كبيرة في الاستهداف، وتطوير المحتوى المناسب للشريحة.

لكي اختصر لك الحالة التسويقية سوف أسرد لك بعض النقاط التي بنيت عليها خطتي التسويقية، والمناسبة لمقالتنا اليوم، تجارب الشراء.

كنت أرى أنه من الصعب للغاية بيع مجلة علمية بشكل فردي، بالطريقة التقليدية، لسوق لا يحب هذا النوع من المجلات العلمية، التي تتناول في الغالب الحيوانات والطبيعة في إطار علمي بحت.

بنيت كل الاستراتيجية على فكرة تحويل المجلة من سلعة فردية، تباع بشكل تقليدي، إلى مجتمع متكامل للأطفال.

هذا المجتمع له اشتراك سنوي، بمجرد أن يدفع الأب أو الأم هذا الاشتراك السنوي، يُفتح للطفل أبواب هذا المجتمع بالكامل، ومن ضمن عناصره، مجتمع أطفال، ألعاب إلكترونية مجانية، نوادي مخصصة للأطفال المشتركين في المجتمع، وكل ذلك بتنسيق مع مؤسسات ومدارس.. الخ.

أعتقد كان ثمن النسخة الواحدة من هذه المجلة الشهرية 10 جنيهات، لكن المجتمع اشتراكه السنوي سيكون 100 جنيه مثلا، ومن هنا سوف تحصل المجلة على اشتراكات سنوية بدل من شراء المجلات بشكل فردي.

أين الترويج للمجلة؟

الفكرة كلها أن بناء المجتمع هو أهم خطوة في الترويج! فكل المصاريف التي سيتم إنفاقها على بناء هذا المجتمع وتطويره وجلب الأطفال له هو جزء من ترويج مثمر، يبني مجتمع كبير من الأطفال في مصر، وفي حين أن الطفل يشترك سنويا للدخول في هذا المجتمع، الذي يناسب أفكاره وحب الانطلاق والتعارف مع مجتمعات وأفكار آخرين، لن يكون أبدا من الصعب دخول مجلة شهريا لبيته، يقرأها كجزء من هذا المجتمع!

في هذه الحالة لن تروج لمجلة، بل ستروج لفكرة، ستروج لمجتمع متكامل، وتجربة شراء ممتعة، أكثر متعة بالتأكيد من مجلة تبقى وحيدة على الرف بدون مبيعات!

لا أعرف إن كانت الشركة نفذت هذه الخطة أم لا، لكل في كل الأحوال، فقد كانت هذه الخطة بداية فهمي الحقيقي وبشكل عملي لفكرة المجتمع التسويقي وتجارب الشراء بشكل أعمق.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى