الاستراتيجية والتخطيط

التسعير على أساس القيمة: كيف تبدأ من العميل؟

سعر أعلى من اللازم يفقدك زبائن، سعر أقل من اللازم يفقدك أرباح!

التسعير الصحيح من أهم ما يمكن أن تتعلمه داخل التسويق، والتسعير على أساس القيمة هو واحد من ضمن استراتيجيات التسعير التي تستطيع الاستعانة بها وأنت تضع خطة التسعير الخاصة بمنتجك.

لا يمكنك الاستعانة بنموذج تسعيري واحد فقط بدون العودة لباقى المتغيرات، مثل ظروف السوق، أو المنافسة، لذلك التسعير الصحيح يأتي نتيجة لتطبيق نماذج التسعير كلها بشكل مترابط.

ما هو التسعير على أساس القيمة – Value-Based Pricing؟

التسعير على أساس القيمة ببساطة هو أن تضع سعر للمنتج/خدمة يتماشى مع القيمة التي يراها العميل في المنتج.

غالبا تكمن مشاكل التسعير في أن الشركة تبدأ عملية التسعير من داخل الشركة، و مواردها ونفقاتها، ورغبتها في الوصول لنقطة التعادل (Break-Even Point) في أقل وقت ممكن، وهذا السبب غالبا هو السبب في فشل استراتيجية التسعير للشركة.

عملية التسعير التقليدية تسير على هذا الشكل..

الشركة تنتج سلعة/ خدمة، تقوم بحساب تكلفة المنتج، تريد الربح بنسبة – مثلا 30% – فوق هذه التكلفة، تقوم حينها بوضع سعرها ليجعلها تصل لهذه النسبة من الأرباح، وهذا هو السعر الذي يصل للعميل، هذه الطريقة في التسعر تسمى “التسعير على أساس التكلفة” وهو يختلف (ولكن لا يتعارض) مع مفهوم التسعير على أساس القيمة.

ما أهمية التسعير على أساس القيمة؟

التسعير على أساس التكلفة استراتيجية منطقية في التسعير وتضمن لك تغطية تكاليف الإنتاج ولكن لا يمكنك الاعتماد عليها هي فقط، لأن مشكلتها أنها لا تأخذ في الاعتبار القيمة التي يحملها المنتج أو الخدمة للعميل، فأنت في هذه الحالة تفرض قيمة المنتج – Value على الزبون، أي تقول له أن هذا المنتج سعره 10 دولار، حتى وإن كان هذا غير مناسب للعميل!

مثال للتوضيح:

كان هناك شركة تستورد سلع إلكترونية وتقوم بتوريدها للشركات، صاحب الشركة كان يأتي بهذه المنتجات بجودة عالية من الخارج، كان يرى أن هذه ثغرة في السوق (عدم وجود هذه السلع بجودة عالية)، لكن مع الوقت اكتشفنا – وعلى الرغم فعلا أنها كانت ثغرة – أن مديري المشتريات في الشركات لا يقبلون بأسعارنا العالية، ببساطة لأن هذه السلع مهما زادت جودتها ففي النهاية (قيمتها) – من وجهة نظرهم – لا تتناسب مع الأسعار التي نفرضها عليهم!

واجهت الشركة موقف صعب جدا في ندرة المبيعات، لذلك قمنا باقتراح تغيير نموذج الإنتاج والتسعير، حيث حددنا القيمة التي يراها الزبون في هذه المنتجات، وبتالي خفضنا سعرنا، وبالتالي بحثنا عن موردين بتكلفة أقل يساعدونا في الحصول على هذه السلع بجودة معقولة، مع تكلفة تساعدنا على وضع هامش ربح جيد، ونجحنا في ذلك، واستمرت الشركة و حققت أرباح جيدة من وراء هذا التعديل في نموذج التسعير.

استراتيجية التسعير على أساس القيمة هي عكس استراتيجية التسعير على أساس التكلفة، لأنها لا تبدأ بالنظر في المنتج وتكلفته ولكن تركز أول شيء على القيمة التي يراها العميل في المنتج.

ما هي القيمة – Value؟

القيمة – Value هو أقصى سعر يتم تقديره من الزبون/ المشتري، مهما كانت جودة المنتج أو الذي تقدمه له، فإذا كنت تبيع قلم معدن فمثلا فأقصى قيمة سوف يراها زبونك في هذا القلم هي أنه يساوي 10 دولار مثلا (هو يرى أن هذا المنتج لا يستحق أكثر من 10 دولار).

هذه القيمة هي ما تعود إليها لتستخدمها في تطوير استراتيجية تسعير سليمة.

ما العوامل التي تؤثر في اختلاف القيمة من عميل لآخر؟

تخيل أنك تمتلك مخبز متخصص في صنع مخبوزات خالية من الجلوتين، بالنسبة لشخص مصاب بالاضطرابات الهضمية، فأنت تقدم له منتج ينقذ حياته ويحافظ على صحته، فلا شك قيمة هذا المنتج في نظره أنه لا يقدر بثمن، ومستعد أن يدفع لك سعر عالي مقابل الحصول على منتج مثل هذا. لكن، من وجهة نظر شخص ليس لديه مشكلة هضمية، قد تكون المخبوزات التي تقدمها ليست مهمة ولا تستحق سعرها عالي، ويجد أن يمكنه استبدالها بمخبوزات تقليدية من أي مخبز آخر. التسعير على أساس القيمة يعتمد على القيمة التي يراها العميل في المنتج، وهذه القيمة تختلف من عميل إلى آخر

هذا المثال يوضح لك الاختلاف في القيمة من عميل لآخر.

هناك متغيرات كثيرة تساعد في أن تختلف القيمة من زبائن لآخرين مثل:

1- الخبرة: الزبون الذي يرى منتج لأول مرة، بمعنى أن هذا المنتج جديد بالنسبة له ولم ير مثله من قبل، لا يستطيع وضع تخيل صحيح لسعره أو قيمته، لأنه لا يملك سعر مرجعي أو reference price يقيس عليه، لكن مع الوقت والخبرة يستطيع وضع قيمة للمنتج لأن تكونت عنده خبرة بهذه النوعية من المنتجات ورأى مثلها الكثير فبالتالي يستطيع أن يقيم منتجك ويعطيه قيمة بناءا على خبرته.

2- الطلب: هناك زبائن في بلد أو في سوق يقبلون على المنتج بشكل أكبر من الزبائن في بلد أو سوق آخر، وهذا يجعلهم يرفعون من قيمة هذا المنتج. والطلب مرتبط لا شك بالحاجة والرغبة التي تختلف من شخص إلى آخر.

3- الطبقة الاجتماعية: الطبقة الاجتماعية والثقافة العالية قد تجعل الزبائن يضعون قيمة عالية لمنتجات لا تفهمها الطبقات الاجتماعية الأقل. والطبقة الاجتماعية مرتبطة بالتعليم والدخل والوظيفة وغيرها من العوامل التي تشكل سلوك العميل.

4- المنافسة: إذا كنت تقدم منتج لا يقدمه أحد في السوق، أو منتج جديد كليا، فيجد الزبون صعوبة في وضع قيمة له أو تخيل لسعره (كما قلنا لن يكون لديه خبرة أو سعر مرجعي يقيس عليه سعر منتجك)، لكن مع كثافة المنافسة يصبح الأمر أسهل عليه (وأصعب عليك). وأيضا كلما كانت المنافسة قليلة في السوق، كلما أصبحت أنت “عُملة نادرة” في نظر العميل الذي يبحث عن القيمة التي تقدمها، وعلى النقيض، إذا كانت المنافسة شديدة في السوق، وانت تقدم منتج به نفس القيمة التي يقدمها العميل أو قريب منها، فغالبا ستضطر إلى وضع سعر قريب من أسعار السوق إلا إذا قررت ابتكار قيمة جديدة في المنتج تتفوق على منتجات المنافس.

ما هي أنواع التسعير على أساس القيمة؟

1- التسعير العادل – Good Value Pricing:

حيث تقوم بتقديم منتج به نفس القيمة الموجودة في السوق (بجودة أفضل) لكن تقريبا في نفس الفئة السعرية الخاصة بالمنافسين وربما بسعر أفضل من المنافس أيضا.

2- تسعير القيمة المضافة –  Value Based Pricing:

حيث تقوم بتقديم منتج بقيمة أعلى من القيمة الموجودة في السوق وبسعر أعلى من المنافسين.

كيف أتعرف على القيمة التي يراها العميل في المنتج؟

في استبيانات التسويق اليوم نضع أحيانا سؤال يتعلق بالسعر، بصيغة شبيهة بهذه:

كم تقدر سعر المنتج؟ أقل من 100 دولار – من 100 دولار لـ 200 دولار – من 200 دولار لـ 500 دولار – أعلى من 500 دولار.

هل تعتقد أننا نستخدم هذه الإجابات للتسعير؟

بالتأكيد لا، لأن الاستبيانات ليست هي أفضل وسيلة لمعرفة السعر المناسب من الزبون (كما سنعرف بعد قليل)، لكن هذه الاستبيانات تساعدنا في معرفة القيمة التي يراها العميل في المنتج ووضع تخيل مبدئي للسوق الذي نريد أن نستهدفه وهذا سوف يساعدنا في الاستهداف الصحيح وتطوير مزيج تسويقي متكامل ومناسب للعميل.

ملحوظة: في استراتيجية التسعير على أساس القيمة، أنت لا تبدأ بتطوير المنتج ثم تسعيره، أنت تبدأ من العميل أولا لتعرف قيمة المنتج من وجهة نظره، ثم تطور له منتج بإمكانيات ومواد خام تناسب هذه القيمة.

نعود للحديث عن طرق التعرف على القيمة التي يراها العميل في المنتج:

1- الاستبيانات:

بأشكالها المختلفة سواء أونلاين باستخدام منصات عمل الاستبيانات مثل Surveymonkey و Typeform، أو حتى من خلال الحديث مع العملاء عبر الهاتف، أو عمل polls على منصات التواصل الاجتماعي.

أيا كانت الوسيلة التي ستستخدمها في الاستبيان فنصيحتي لك أن تستخدم الاستبيانات مع طرق أخرى لتسطيع فعلا أن تفهم عميلك وتتعرف على القيمة التي يقدرها للمنتج أو الخدمة التي تقدمها.

2- الخبرة:

أفضل طريقة للتسعير الصحيح هي خبرتك في السوق وتجربتك لاستراتيجيات تسعير مختلفة وملاحظتك لسلوك العميل تجاه الأسعار وردة فعله عند تغير الأسعار. لذلك مهم جدا حتى إذا لم تكن لديك خبرة في السوق الذي تعمل به أن تستعين بأشخاص لهم خبرة وتجارب حقيقية في السوق تستفيد من خبراتهم في فهم العملاء.

3- البيانات الثانوية:

يمكنك أيضا الاستعانة ببيانات جاهزة تعطيك مؤشرات تفهم منها معيار القيمة عند العميل. هذه البيانات مثل case studies أو دراسات حالة لبراندات وشركات في السوق الذي تعمل به، تفهم منها أسلوب الحياة لدى هؤلاء العملاء وخصائصهم النفسية وبالتالي تستطيع تقدير القيمة لمنتج مثل منتجك. يمكنك أيضا من تحليل المنافسين ومراقبة آراء العملاء والـ reviews أن تعرف ما هي المشاكل التي يعاني منها العملاء في منتجات وخدمات المنافسين وبالتالي تفهم معيار القيمة لديهم.

4- التجربة:

تستطيع بنفسك عمل اختبارات مختلفة لاختبار قيمة المنتج عند العميل، مثل:

  • أن تقوم بعمل عينة بسيطة من المنتج (إذا كان تنفيذه سهل) ثم قم بتسعيره وترويجه وتوزيعه في أماكن محدودة يتواجد بها الـجمهور الذي تريد استهدافه، وتقيس رد فعل الناس على المنتج وسعره.
  • أن تقوم بعمل إعلان وهمي بالمنتج على أي منصة تريدها وتقيس ردود فعل الناس على المنتج وسعره. المقصود بإعلان وهمي هو إعلان عن المنتج قبل تطويره، وكأنك تروج للمنتج كفكرة وترى كيف ينظر الناس إليها وبكم يقدرونها.

ما الأخطاء المشهورة عند استخدام التسعير على أساس القيمة؟

هناك الكثير من الأخطاء المرتبطة باستراتيجية التسعير على أساسل القيمة، من أشهرها:

1- الافتراض والتسرع:

يقوم بعض أصحاب البيزنس والماركتيرز بالافتراض والتسرع بوضع السعر من دون دراسة كافية للسوق وفهم القيمة الحقيقية التي يراها العميل في المنتج، وبالتالي النتيجة هي وضع سعر غير مناسب للعميل.

2- ضعف في توصيل القيمة للعميل:

نجاح استراتيجية التسعير على أساس القيمة يعتمد على باقي عناصر المزيج التسويقي الأخرى ومنها الترويج الجيد!

أنت قمت بتسعير المنتج على أساس بحثك وخبرتك وقمت بالمجهود الكافي لتفهم القيمة التي يراها العميل في المنتج ووضعت سعر مناسب لهذه القيمة، ولكن ضعف التواصل وإفهام العميل بالقيمة التي تقدمها له في المنتج قد يتسبب في تقدير خاطيء لقيمة المنتج وبالتالي فشل في استراتيجية التسعير.

نتائج غير متوقعة وقيمة أعلى للمنتج!

في هذه المقالة تكلمنا عن استراتيجية التسعير على أساس القيمة وعرفنا الطرق المختلفة لفهم القيمة التي يراها العميل في المنتج مثل الخبرة والتجربة والبيانات الثانوية، وتكلمنا عن شركة خفضت سعرها لكي تتناسب مع القيمة التي يضعها الزبون، ولكن قد تتفاجأ أن العميل يضع تخيل أو قيمة أعلى للمنتج من سعرك الحالي أو (السعر الذي تنوي وضعه للمنتج)!

في هذه الحالة، تستطيع رفع سعرك وتعديل المزيج التسويقي و تطوير أيضا سلسلة الإمداد – Supply Chain لتقدم لهذا العميل المنتج والسعر الذي يناسبه، المهم في كل الأحوال أنك تطور سعرك حسب القيمة، مع الوضع في الاعتبار جميع متغيرات التسعير الهامة الأخرى.

في كتاب الماركتينج بالمصري، قدمنا نموذج تسعيري متكامل يتكون من 8 نقاط يمكنك العودة له أو العودة لأصل النموذج في كتاب The Principles Of Marketing للمؤلفين Paul Peter/ James Donnelly، وهذا النموذج من وجهة نظرنا هو الأقوى والأكثر شمولية من كل نماذج التسعير الأخرى.

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى