الاستراتيجية والتخطيط

البحث التسويقي | طرقه وأهدافه واستراتيجية تنفيذه

هذه المقالة سوف تغطي لك البحث التسويقي، وكل ما تريد معرفته عن أهدافه، طرقه، واستراتيجية تنفيذه وكيفية أخذ العينة، والفرق بينه وبين بحوث السوق.

مقدمة عن البحث التسويقي

عملت بعد تخرجي بفترة بسيطة في مهمة لها علاقة بالبحوث التسويقية، وكانت الأمور تسير بملل شديد، كنت أفرّغ نتائج استبيانات تجريها دار نشر كبرى على قرائها، والآن برنامج الكترونى يستطيع أن يفعل دوري.

مع دراستي للتسويق وتعمقي فيه وجدت أنك عندما تكون داخل هذا المطبخ التسويقي، أي أنك مثلاً تفرغ بيانات ونتائج استقصاءات يكون الامر ممل، ولكن عندما تراه من الخارج، وتبدأ في تحليل النتائج تشعر بنشوة تسويقية مذهلة، لأنك تعلم انك تعلم مالا يعلمه الكثير، وأنك غالباً سوف تسير على الطريق الصحيح.

قبل أن أخبرك رأيي في جزء بحوث التسويق، يجب فقط ان تعرف ان هناك مظلة أكبر اسمها بحث السوق، ويقع تحتها إدارات مثل البحث والتطوير، والاستخبارات التسويقية، نظم إدارة البيانات.. الخ. من ضمن هذه القطاعات او الادارات التي تكمن تحت مظلة بحث السوق هو البحث التسويقي.

المهم الآن أريدك أن تعرف أن بحث التسويق هو الجندي المجهول للتسويق، سأخبرك بقصة!

كنت في مقابلة عمل مع مؤسس لمركز تدريب، وهو مدير في مايكروسوفت إنجلترا، طلبت منه قبل البدء في أي شيء ان نجري بحث تسويقي لنعرف ماهي الكورسات المطلوبة في السوق. قال لي انه لا يملك رفاهية – Luxury هذا الأمر، هو اتفق على البرامج وانتهي الأمر!

لا تستغرب من ردة فعل هذا الخبير، فمثله الكثير، وبالطبع اثبتت الايام وجهة نظري، وهو عانى بشدة مع هذه البرامج الجاهزة، ولم يستطيع ان يحقق مبيعات جيدة، الأمر بسيط، لقد أهمل أول خطوة على طريق النجاح، وهي فهم احتياجات السوق.

أهمية البحث التسويقي

تعتبر خطوة البحث التسويقي أهم الخطوات على الإطلاق في حياة العملية التسويقية، وهي المحدد الرئيسي لنجاح المنظمة ونجاح منتجاتها وخدماتها.

يقودنا إلى هذا الاستنتاج مقدمات أولها إدراك أن التسويق هو علم من علوم الإدارة، والإدارة علم قائم على المعلومات، ولكى تنجح في الإدارة فإنك تحتاج إلى معلومة محددة، متعلقة بهدفك، في الوقت المناسب، تستطيع من خلالها اتخاذ قرار صحيح مبني على ضوء تلك المعلومات.

لا يختلف التسويق كثيراً إذاً، فلكي تتميز في السوق عليك أن تحيط نفسك بجبال من المعلومات التي ستعطيك المؤشر لبدأ نشر المنتج، والترويج له، أو إيقاف حملتك التسويقية و معالجة بعض الأخطاء، أو تعديل قنوات التوزيع حتى تناسب الطلب المتوقع، ولذلك ليس غريباً إدراك أن البحث التسويقي هو الذى يصنع للشركات الملايين والبلايين، أو يحملّها الملايين والبلايين سُدى.

سبب وجيه ومنطقي يجعلك تفكر في أهمية البحث التسويقي، وهو التفكير بعمق في التسويق اليوم، القائم على فكرة العميل واحتياجاته، وإذا كنّا في الماضي نبدأ أنشطة تجارية تعتمد على رغباتنا وامكانياتنا، فالآن أصبح الأمر أكثر تعقيداً، حيث أننا نبدأ تلك الأنشطة التجارية التي تلبى رغبات المستهلكين واحتياجاتهم في المقام الأول.

إذا كنا نقوم بتسعير المنتجات حسب رؤيتنا الشخصية، وحسب ما تمليه علينا رغباتنا في هامش ربح محدد، فالآن نضطر إلى تقديم سعر يضغط على المنافسين، ويناسب العملاء.

في عالم التسويق اليوم لن نبحث عن قنوات التوزيع التقليدية فندفع فيها المنتج حيث يصل إلى العميل، بل إننا نبحث أين هو العميل، وما هو المكان والزمان الذي يناسبه حتى يصل إلى المنتج بكل سهولة وسرعة.

مع هذه الاختلافات بين التسويق التقليدي والتسويق في عالم اليوم، يصبح البحث التسويقي هو الأداة الفعالة والتي يراهن عليها خبراء التسويق.

الآن لم يعد قسم البحث والتطوير شيء من قبيل الرفاهية أو التفكير الاستراتيجي للشركات، ولم يعد البحث التسويقي هذا الأمر الذي ممكن أن ينجزه مجموعة من الموظفين، هذا لأن السوق اليوم أكبر جداً من السوق في أي وقت مضى، وهل تستطيع شركة اليوم في الولايات المتحدة إنتاج منتج جديد بدون البحث في إمكانيات الشركات اليابانية والصينية لإنتاج هذا المنتج، ودفعه في السوق الأمريكي؟

أثبت التاريخ القريب لنا أن عدم تنفيذ بحث تسويقي قوى، شامل، ومتقن هو أحد الأسباب، وأحياناً يكون السبب الرئيسي في إهدار وقت وجهد وأموال طائلة للشركات، و دعونا نضرب المثال ببعض المواقف المستفاد منها لشركات كبرى عالمية.

من ضمن أشهر الأمثلة شركة (شيفروليه)، تلك الشركة الأمريكية التي أنتجت السيارة (نوفا) وحققت مبيعات هائلة في السوق الأمريكي، و كان الحق المشروع للجيش التسويقي في الشركة أن ينتقل إلى مرحلة أبعد وهي التوغل في أسواق عالمية جديدة، وكان من تلك الأسواق .. المكسيك.

بعد دفع المنتج في السوق، تفاجأت أقسام المبيعات والتسويق بركود وضعف شديد في المبيعات، وبعد ضرب الأخماس في الأسداس، وتخمين الأسباب وراء هذا الفشل الذريع، توصل الباحثين في الشركة عن سبب الفشل، وهو أن نوفا (NOVA) تعني بالإسبانية (اللغة السائدة في المكسيك) لا يمشى أو شيء من هذا القبيل (NO GO)، وبالطبع لم يكن المكسيكيون على استعداد لتقبل تلك المغامرة بشراء سيارة لا تسير!!

مثال آخر كان لشركة (جيربر – Gerber) ، تلك الشركة التي تصنع منتجات غذائية للأطفال في الولايات المتحدة، وقد حاولت التوغل في السوق الأفريقي، مع الاعتماد على نفس شكل المنتج وتغليفه المعتمد في الديار، وكانت النتيجة أيضاً مبيعات ضعيفة وإحجام المستهلكين عن الشراء، ومع البحث توصلت الشركة للسبب.

كانت الشركة تستخدم صور الأطفال في تغليف المنتج، كإشارة إلى أن المنتج يخص الأطفال، في حين جرت العادة في البلاد الأفريقية على أن الصورة المرسومة على غلاف المنتج هي ما يحتويه المنتج، ولم يكن لدى هؤلاء الأفريقيين (الإنسانيين) الرغبة الشديدة في أن يأكلوا الأطفال!

بالطبع توجد العشرات بل المئات من القصص الشهيرة التي تحكي فشل لشركات لم تتعمق في دراسة وتجربة السوق قبل خوض التجربة التسويقية، وإن سردت هنا هاذين المثالين، فذلك لأنهم خرجوا من تحت سقف شركتين من أكبر الشركات في العالم، وأكثرهم دراية بأهمية البحوث التسويقية، فما بالنا بالشركات المحلية التي مازالت ترى التسويق مجرد إعلان في جريدة؟

هذين المثالين من أشهر الأمثلة على غلطات الشركات العالمية الفادحة في عدم فهم السوق قبل دخوله، هناك من شكك في مصداقية القصتين الشهرتين، لكن الشاهد من هذه القصص هو أهمية فهم الأسواق خصوصا إذا كنت تدخل سوق جغرافي أو ديموغرافي جديد لا تعرف عنه شيء.

لكن على النطاق الأصغر، فبحث السوق لا يقل أهمية، بل ربما تزيد أهمية بحث السوق للشركات الناشئة، فالشركات الكبرى لديها الميزانيات الضخمة لتجرب وتفشل، لكن الشركات الناشئة لا تملك هذه الرفاهية، فمواردها محدودة، وأي خطأ كبير سوف يكلفك البيزنس كله!

على الرغم من أني أفضل طرق أكثر سهولة، واقتصادية، للشركات الصغيرة والناشئة عن الطرق التقليدية في بحوث التسويق، لكن فهمك عموما لبحوث التسويق بشكل علمي، سوف يساعدك في فهم أي طريقة سأخبرك بها لاحقا من طرق بحث السوق.

ما هي شخصية باحث التسويق؟

طبيعة الشخص التسويقي أنه هادئ صبور، محب للتحليل والتدقيق.

الأبحاث التسويقية هي شيء لن تفهمه إذا لم تمتلك الصبر، واذا فهمته لن تستطيع العمل به، الصبر هو المفتاح، لان الشركات الكبرى تصبر على بحوثها التسويقية ربما سنين، وفي النهاية ربما تكون النتيجة عدم دخول السوق!

بالنسبة للمهارات الفنية لمن يعمل في بحوث التسويق، فهناك شقين للبحوث التسويقية، اولها شق يتعلق بالأرقام وتحليلها، مثلاً كيف تحدد العينة، وطريقة حسابها وتحليل النتائج، والأفراد الخريجّين من كليات وأقسام الإحصاء يعملون في هذا الجزء من التسويق.

هناك شق آخر من الأمر، وهو التخطيط للخطة البحثية، وتحليل النتائج في منظور تسويقي، وهذا الشق الكيفي يعمل فيه أي خبير في التسويق طالما فهم أهمية البحث التسويقي، وحدد نتائجه بدقة.

بما ان البحث التسويقي هو الجندي المجهول كما أخبرتك من قبل، فكثير جداً، إن لم يكن أغلب الشركات لا يهتم به، لأنك كما تعلم التسويق عموماً مازال غريب علينا، وعلى الرغم من ذلك بدأت تنتشر وكالات ومكاتب البحوث التسويقية.

فقط معلومة على الهامش وهي ان أكثر من يملك مكاتب الأبحاث التسويقية هم أساتذة ودكاترة الجامعات، لأننا في الجامعة كنا نسير على خطا محددة لكى تكمل بحثك العلمي، افتراضات ثم اختيار عينة، وتكوين استقصاءات، ثم اختبار العينة وتحليل النتائج.

هل يشبه الامر شيء تعرفه؟ نعم انها تقريباً نفس خطوات البحث التسويقي، وبالتالي فمن هو خبير بالبحوث العلمية خاصة بحوث الدكتوراه والماجستير سوف يكون مؤهل غالباً لبحوث التسويق، وهذا يعطيك التفسير.

الفرق بين بحث السوق والبحث التسويقي

من المهم أن تفهم التسويق بشكل عملي وتطبقه بسلاسة، ولكن من المهم والمفيد أيضاً ان تكون على وعى بالمصطلحات التسويقية والفرق الدقيق بين بعض من أهم المصطلحات والمفاهيم المعروفة في هذا المجال.

الفرق بين المصطلحين كبير أكاديمياً، وحتى عملياً، والغلطة الشائعة هي أن الكثير يرمى به في نفس السلّة، ربما يكون على دراية بكيفية بحث السوق بشكل عام ودراسته والحصول على احتياجات الناس، هو يفعل ذلك بدون التفرقة بين المصطلحين التسويقيين.

سأبدأ بـ (بحث السوق) لأنه المصطلح الأشمل والأعم. أريدك أن تعود الآن الى المصطلح الأخير وتراجعه جيداً.. بحث السوق. هل ترى أي ذكر للتسويق هنا؟! بالطبع لا. هذا ربما يدل على أنه مصطلح يستخدمه الجميع، التسويقي وغير التسويقي.

إذا افترضنا ان لدينا تاجر تجزئة سوق يفتح محل تجزئة صغير لبيع بعض الأدوات الاستهلاكية.

هذا التاجر يريد أن يبني عمله على أساس تسويقي صحيح، او دعنا نقول على أساس تجارى صحيح، سيكفل له تحقيق المبيعات بشكل أفضل وأسرع. هذا التاجر الذكي سوف يبدأ في بحث السوق. وفي سبيل فعل ذلك، سوف يقوم ببعض المهام، من ضمنها ان يدخل الى المحال التجارية للمنافسين في نفس المنطقة، ويبدأ في شراء بعض الأدوات والمنتجات من عندهم.

هو يريد ببساطة ان يتجسس سريعاً على السوق من حوله ليعرف نقاط القوة والضعف للمنافسين، فيبدأ في تجنب نقاط القوة واستغلال نقاط ضعف المنافسين.

هذا التاجر البسيط الذي لا يعلم ربما أي شيء عن علم التسويق، استطاع ان يقوم ببعض الجهود الهامة من أجل بحث السوق، وذلك عن طريق استخدام طريقة شائعة من طرق بحث السوق وهي التجسس على السوق أو الاستخبارات التسويقية – Marketing Intelligence.

أسأل نفسك في هذه الحالة التسويقية سؤالين في قمة الأهمية لتكتشف أن ما فعله هذا الرجل هو بحث سوق وليس بحث تسويقي.

السؤال الأول: هل المعلومات التي حصل عليها هذا الرجل كانت متاحة بالفعل وهو فقط حصل عليها بشكل ما، وهو ما يعرف ب المعلومات الثانوية – Secondary Data؟ السؤال الثاني.. هل احتاج لجهد منظم وتسلسل وتخطيط تسويقي ليصل إلى المعلومة التي حصل عليها ام أن المعلومات جاءت بطريق عشوائي؟

الاجابة على السؤال الأول هو أن هذا الرجل بالفعل حصل على معلومات متاحة في السوق، هو فقط بذل بعض الجهد ليحصل عليها، ولكنه هو أو غيره كان بمقدوره الحصول عليها، وهذه المعلومات قد تكون كافية او غير كافية، صالحة لعمله ومشروعه أو غير صالحة، هذه المعلومات معروفة في علم التسويق بـ المعلومات الثانوية – Secondary Data.

لدينا أدوات هامة وكثيرة للحصول على هذه المعلومات الثانوية، ما ضمنها من فعله هذا الرجل للحصول على المعلومات من المنافسين، وهي طريقة الاستخبارات التسويقية – Marketing Intelligence، ولدينا مثلاً طريقة الحصول على الإحصائيات والبيانات المتاحة والمنتشرة على مواقع الانترنت المتخصصة والوزارات والإدارات الحكومية المتعددة في الدول والتي توفر كم كبير من هذه النوعية من المعلومات الثانوية.

من ضمن مصادر البيانات الثانوية الهامة، السجلات الداخلية لها – Internal Records، مثل سجلات وملفات المبيعات. فمثلا، عندما تشتري ملابس من شركة كبيرة تجدهم يسجلون كل شيء عن المشتري بداية من اسمه ورقم هاتفه.. وانتهاءاً بعملية البيع وظروفها وتاريخها، وربما يسجل البائع ما وجده من اقتراحات أو شكاوى من المشترى، وكل مشترى سيتم تسجيل له هذه البيانات والمعلومات عنه في سجل البيع للشركة.

سوف تعود الشركة في يوم من الأيام الى هذه السجلات الداخلية لتحصل على معلومات ثانوية جاهزة عن العميل، وهذا بالطبع سوف يفيدها جداً في عملية بحث السوق.

السؤال الثاني كان.. هل احتاج البائع إلى القيام بتخطيط وجهد علمي منظّم للحصول على المعلومات؟ والإجابة بالطبع لا.. كان جهده عشوائي ولم يعتمد على التخطيط التسويقي المعروف والخاص ب البحث التسويقي.

عنصر آخر مرتبط بالمجهود المنظم، وهو استخدام العينة – Sampling، وهي شيء أيضا يصنع الفارق بين بحث السوق العشوائي والبحث التسويقي العلمي المنظّم.

البحث التسويقي يكون على مجتمع كامل وكبير – Population، ولا يستطيع استكشاف وبحث هذا المجتمع الكبير في الغالب فيلجأ للحصول على عينة أصغر منه وبحثها، وبعد ذلك يعمّم النتائج على المجتمع، وهذه العينة لها طرق علمية دقيقة جداً للحصول عليها، ويساعدك فيها الإحصائي عندما يكون البحث دقيق وصعب ويحتاج للحصول على عينة بشكل دقيق كما هو الحال في الشركات الكبيرة.

مثال آخر، أفترض أنك تطور تطبيق او منتج الكتروني. تريد ان تبحث السوق قبل اقحام المنتج للسوق، ذلك لكي تعرف ما هو السوق، من هم المنافسين والمورّدين والوسطاء التوزيعين الذين يمكنك الاعتماد عليهم، وبالطبع تحتاج معرفة كيف يفكر المشتري وماذا يريد في هذا المنتج الجديد.

نزلت السوق فعرفت عن المنافسين عندما جربت منتجاتهم، وعرفت من خلال بعض المواقع الالكترونية التفاصيل التسويقية المطلوبة عن المنافسين والوسطاء، وعرفت من خلال بعض الاحصائيات الموجودة تعداد الأشخاص المستخدمين للتطبيقات او الاجهزة الالكترونية التي تقدم أنت شبيه لها، والآن انت تريد ان تعرف بشكل أدق ماذا يريد المشترى من التطبيق أو المنتج الإلكتروني الذى تقدمه، هذه المعلومة لا توجد بدقة، أنت تريد سؤاله بنفسك، أنت تريد الحصول على هذه المعلومات بشكل حصري خاص لك، انت تريد الحصول على معلومات أولية حصرية – Primary Data، .. أنت تريد القيام ب بحث تسويقي – Marketing Research.

انت الآن داخل أول عربة في قطار التسويق، تبحث السوق، ولكن المعلومات الثانوية المتاحة عن السوق غير كافية، فتضطر لبذل مجهود منظّم بخطة منظمة لها أهداف وطرق وأدوات ونتائج، فأنت هنا سوف تستخدم البحث التسويقي، ليخرج لك نتائج أنت بالفعل تحتاجها في بحث السوق.

النتائج التي ستحصل عليها من البحث التسويقي عليك الآن وضعها في المكان الذي كنت تريد فيه المعلومات الحصرية، دعونا نقول على سبيل المثال في مكان احتياجات المشتري الذي أردت بحثه بدقة قبل تقديم منتجك الإلكتروني.

اذاً الملخص هو أن بحث السوق هو المظلّة التي تعمل تحتها، ولكن البحث التسويقي هو الأداة التي تستخدمها للحصول على بعض المعلومات غير المتوفرة. هذا هو الفارق الأساسي بين بحث السوق وبحث التسويق.

كما أن البحث التسويقي يتميز عن بحث السوق، انه منظّم جداً، حتى ان تعريفه الأكاديمي دائماً يبدأ بكلمات مثل مجهود – علمي – منظّم. إنه يعتمد دائماً على خطة علمية تبدأ بوضع الأهداف التي تريد تحقيقها، والتي لا تخرج في الغالب عن أهداف وصفية – Descriptive، وأهداف استكشافية – Exploratory، وأهداف تكشف النتائج بمتغيرات التسويق – Causal. وفي سبيل تحقيق هذه الاهداف لديها ايضاً طرق وادوات علمية لا تخرج هي الأخرى في الغالب عن 3 طرق: المسح التسويقي – Survey، والملاحظة – Observation، والتجريب- Experiment.

الفرق بين الظاهرة والمشكلة

في هذه المقالة سوف أعرفك على الفرق بين الظاهرة والمشكلة في البحث التسويقي، ودوره في فهم وتحليل المشاكل التي تواجه الشركات.

يوجد يومياً في حياة الشركات مشاكل لا تعد ولا تحصى، هذه المشاكل تؤرّق الشركات ولا تهدأ الشركات إلا عندما تحل هذه المشاكل، حتى تسير عجلة الإنتاج والتسويق بشكل صحيح، ولكن هناك عقبة كبيرة تواجه هذه الشركات من أجل تحديد مشاكلها بدقة، فكيف تحل الشركة مشكلة لا تعرفها؟!

في الحقيقة يوجد فرق كبير بين الظاهرة – Phenomenon، وبين المشكلة – Problem، وإذا لم تستطع فهم الفرق الكبير بينهم فلن تستطيع حل أي مشكلة تواجهك، خصوصاً لو كانت مشكلة (أو بمعنى أدق ظاهرة) معقدة.

هذا الرجل في الصورة يبدو أنه مريض، سيذهب بالتأكيد إلى الطبيب ليخبره عن مرضه، و الآلام التي يشعر بها، سيخبره أنه يشعر بصداع، أو أنه يعانى من صعوبة من ابتلاع الطعام والشراب، أو أنه يعانى من الدوار المتكرر، ..الخ

كل هذه الظواهر، والتي في الحقيقة تبدو من وجهة نظر المريض (الغير متخصص في الطب) أنها مشاكل، وأنه ذاهب للطبيب ليجد عنده علاج لها، هي في الحقيقة مجرد دلائل ومؤشرات يستطيع الطبيب أن يفحصها و يحللها من أجل الوصول إلى سبب هذه الآلام، فربما تكون المشكلة على سبيل المثال في ظاهرة دوار هذا الرجل المريض هي اختلال في الأذن الداخلية تسبب له هذا الدوار المتكرر. ما كان المريض ليكتشف هذه المشكلة بدون فهم وتخصص الطب، وبذلك بدأنا نضع أيدينا على المشكلة التي تسبب الظاهرة.

مثال آخر عندما يقل الهواء المضغوط في إطار السيارة (تنام العجلة)، تذهب بها إلى الميكانيكي أو إلى متخصص في الإطارات، تخبره عن هذه الظاهرة في الإطار، فيقوم هو بفك الإطار وعمل عليه كشف حتى يعرف سبب هذه الظاهرة، ربما يكون مسمار دخل في الإطار، أو يكون هناك قطع فيه أو أن الإطار بدأ يتآكل مع الوقت، … الخ

في الشركات أيضاً نجد ظواهر كثيرة جداً، هذه الظواهر غالباً تكون سلبية ونريد علاجها، ولكن كيف تعالج الظاهرة وأنت لا تعلم ما وراء الظاهرة من أسباب؟، والأسباب هنا هي المشاكل التي نريد علاجها.

مثلاً تُفاجأ الشركة بانخفاض حاد في نسب المبيعات لديها، هذه هي الظاهرة، حسناً.. دعنا نقارن كيف ستحلها شركة هاوية لا تستخدم التسويق وتستخدم (الفهلوة)، وشركة أخرى تستخدم التسويق بشكله الاحترافي..

الشركة الأولى سوف يجتمع فيها مدير التسويق، أو البيع، أو المدير العام، أو أي مدير مسئول عن حل هذه الظاهرة مع الموظفين لبحث كيفية حل الأزمة، سيخرج بقرارات منها مثلاً: زيادة الإنفاق على الإعلان، سيقومون بعمل حملة إعلانية خارقة الجمال مع أكبر وكالة إعلانية في البلد!، سيطورون عروض بيع مذهلة سوف تجعل الناس يشترون كما لم يشتروا أي منتج من قبل، سوف ينزل برجال بيع ليقنعوا الناس بالمنتج، … الخ

الشركة الثانية سوف يجتمع فيها مدير التسويق مع المديرين الآخرين مع بعض الموظفين لبحث الأزمة أو الظاهرة السلبية التي تعاني منها الشركة، فاتفقوا على تطوير بحث تسويقي استكشافي – Exploratory Research هدفه هو استكشاف المشكلة لحلها، وبدأوا النزول لعينة من الأسواق و بحثوا عن منتج الشركة واستخدموه.

لاحظوا كيف ومتى يشترى الناس المنتج وكيف يستخدموه وماهي المشاكل التي واجهتهم في استخدامه، وبعد فترة من تطبيق هذا البحث، جاءتهم المفاجأة، فإن آخر كمية من المنتج نزلت الأسواق في الفترة الأخيرة عانت من عيب خطير في صميم المنتج، جعل المشترين الذي كانوا يشترون المنتج باستمرار يبتعدوا عن المنتج ويذهبون للمنافسين!

بدأت الشركة في إصلاح العيب في المنتج، ومع تطوير المنتج، بدأت في حملة ترويجية، ربما استخدمت فيها رسالة تشير إلى أنها طورت المنتج، ولربما وجّهت اعتذار عمّا أصاب المنتج من عيوب بسيطة (كما فعلت شركة Toyota مع سياراتها في الفترة الأخيرة)،.. النتيجة أن المبيعات زادت، ربما أكثر من السابق، وكل هذا بسبب أن هناك إدارة تسويقية محترفة تعرف كيف تفرّق بين الظاهرة والمشكلة، وبالتالي تعرف كيف تستكشف المشكلة وتحلها.. بالنسبة للشركة الأولى.. فأنت تعرف الآن كيف كانت النتيجة!

البحث عن المشكلة التي وراء الظاهرة ليس بالأمر اليسير، إنه يحتاج لبحث تسويقي منظم، قائم على الملاحظة، و كثيراً ما تستخدم هذا النوع من البحث إما لحل المشكلات التي تواجهك كما في المثال السابق، أو لمعرفة المشاكل التي تواجه المنتجات الجديدة.

أحياناً مع كثرة وعمق الخبرة، لا يحتاج الأمر لبحث تسويقي كامل قائم على الملاحظة، فمن خبرتك تعرف أن هذه الظاهرة يكون سببها هذه المشكلة، وهذا ما يصنع الخبراء والمحترفين في مجالهم ويزيد سعرهم في السوق..

أهداف وطرق البحث التسويقي

بعد معرفة أهمية البحث التسويقي، والتعرف على بعض الكوارث التي حلت على الشركات صاحبة الإهمال الجسيم في عدم قيامها بالبحوث التسويقية قبل دفعها لمنتجاتها وخدماتها خصوصاً في أسواق أجنبية، يصبح من المهم التعرف على أهداف البحث التسويقي.

للبحث التسويقي ثلاث أهداف رئيسية:

الوصف وتحليل السوق – Descriptive Research

 أنت صاحب مبادرة وتريد أن تبدأ مشروعك الخاص، ولكن لا تعرف من أين تبدأ..، ابدأ من هذا النوع من الأبحاث.

البحث الوصفي يعطيك القدرة على التعايش في جو السوق، أن تتوغل في البيئة الخارجية، أن تمتلك القدرة على معرفة اتجاهات المشترين وميولهم ورغباتهم وحاجاتهم التي ستفعل ما عليك حينها لتحويلها إلى منتجات وخدمات تشبع وتلبى تلك الحاجات والرغبات (هذا هو أساس التسويق).

تعلم الشركات الكبيرة الناجحة أهمية هذا النوع من البحث وتنفذه باستمرار، ولا تنتظر حتى تخنقها المشاكل، وتتراكم عليها الأزمات حتى تنفذ بحث تسويقي جديد.. (الوقاية خير من العلاج). الميزة الأساسية في كونك مسوق، أو خبير تسويق، هو أن لديك القدرة باستمرار على قراءة السوق باحتراف، ومعرفة ماذا يتغير يومياً في هذا السوق، وبالتالي المنافسة بمنتج أو خدمة خارج النطاق المعروف من المنافسين.

طريقة المسح – Survey هي الطريقة الأساسية للحصول على بيانات من السوق والعملاء، وتكون بتشكيل مجموعة من الأسئلة الموجهة إلى الأفراد لمعرفة سلوكهم، تفضيلاتهم، اتجاهاتهم، رغباتهم وميولهم، وبذلك نكتشف أن هدف هذا النوع من البحث هو الحصول على معلومات توصيفية (Descriptive research) للسوق والأفراد فيه.

أكبر ميزة في هذا النوع من البحث هي المرونة، حيث يمكنك الحصول على أكبر قدر من المعلومات في مواقف مختلفة ومتنوعة.

مازالت هذه الطريقة في البحث تعاني من بعض العيوب أهمها عدم رغبة كثير من المستقصى منهم في الإفصاح عن معلومات خاصة وشخصية.

أضف إلى ذلك تواجد بعض (أحياناً كثير) من النوعية التي لا تحبذ كلمة (لا أعرف)، فهي ستعطيك إجابة مهما بدت الأمور بالنسبة لهم غامضة حتى يبدو في صورة الأذكياء الذين يجيبون على كل الأسئلة!

وأحياناً يوجد ذلك الشخص الذي يعطيك الإجابة التي تسعدك (حتى يشعرك أن الدنيا بأمان)، وبالتالي هذه النوعية من الأشخاص لا تحصل منهم على إجابات منطقية وموضوعية في أغلب الأحيان.

وأضف إلى ذلك أيضاً انشغال كثير من الأفراد المستقصى منهم (وأحياناً التظاهر بذلك!)، من أجل عدم الاستجابة للاستقصاء.

مشكلة أخرى في هذا النوع من الاستقصاءات وهي تغير أمزجة الأفراد، فمن الصعوبة أن تجد إجابات موحدة لنفس الفرد في فترتين مختلفتين، وهذا الأمر كلف شركات كبرى الكثير، وكانت أولهم شركة (كوكا كولا)، التي كانت تطبق طريقة المسح، واكتشفت رغبة المشترين لمنتجاتها في مذاق كوكا جديد ومختلف، وعندما طورت الشركة هذا المذاق الجديد والمختلف، كان رد فعل المستهلكين في السوق (نفس المستقصى منهم) ضعيف وسلبي تجاه المنتج الجديد.

الاستكشاف – Exploratory Research

عندما تصادف شركتك مشكلة مثل نقص في المبيعات، ضعف مردود الحملة التسويقية، ترك رجال المبيعات للشركة، رفض الموزعين استقبال منتجك على رفوف البيع، عليك فوراً حينها أن تسرع إلى هذا البحث التسويقي من أجل معرفة أين تكمن المشكلة وبالتالي حلها. سريعاً.

 يجب التطرق لخطأ فادح معروف في الإدارة عموماً، وهو عدم القدرة على التفريق بين الظاهرة والمشكلة.

إذا تعرض جسمك لأعراض مثل السخونة، وإعياء وإجهاد عام، وعدم القدرة على التحرك وبذل المجهود، وربما احتقان في الحلق، فكل هذه الأعراض لا تسمى مرض، بل المرض يشخصه الطبيب على ضوء هذه الأعراض. الإداري الناجح هو من يعرف كيف يفسّر الأعراض ويستشف من خلالها المشكلة، والإداري الممتاز هو الذي يعرف كيف يحلّ هذه المشكلة بالعلاج المناسب.

 لنتخيل مثال: يستهدف منتجك شريحة سنية كبيرة، ولنفترض أنه يلائم كبار السن من 50 إلى 70، وقد قررت استخدام التسويق الالكتروني، وقررت ترك الأساليب التقليدية في الترويج وأهملت الجرائد والمجلات والراديو، وبعد شهر واثنين وجدت مبيعاتك في انهيار، وهنا قررت أن تعالج قلة المبيعات (التي تعتبرها مشكلة) بزيادة قوة الحملة الترويجية، وتكثيف نشر الإعلانات! بالطبع لن تجنى إلاّ تدهور أكبر في نسبة المبيعات، لأنك ببساطة فسرت الظاهرة (قلة المبيعات) على أنها المشكلة، على الرغم من أن المشكلة تكمن في أن هذه الفئة العمرية لا تفضل تلك الوسائل الجديدة، أو على الأقل لا تستغنى بها عن الوسائل التي نشأوا عليها مثل الراديو والصحف اليومية. ابحث دائماً عن المرض ولا تكتفي بالعرض (مهارة تسويقية هامة).

أفضل طريقة لتحقيق هدف استكشاف الظواهر وحلها هو الملاحظة – Observational Research.

الملاحظة هي الأداة البدائية التي يتبعها ربما الفرد العادي إذا تعرض لمشكلة.

إذاً طريقة الملاحظة في البحث التسويقي يكون هدفها في الغالب هو كشف المشاكل والتغلب عليها، وذلك بملاحظة الأشخاص، المواقف، والأفعال.

من يستخدم الملاحظة في البحث التسويقي؟

إذا كنت ذكرت أن الملاحظة هي الطريقة البدائية للشركات والأفراد في بحوثهم التسويقية، فهي أيضاً تصل إلى درجة كونها طريقة الخبراء، وأحياناً تكون الطريقة الوحيدة الممكنة للتغلب على مشاكل الطرق الأخرى في البحث التسويقي، حتى في حالات البحث التوصيفي (التي تناسبها المسح التسويقي كما ذكرنا).

إذا أرادت شركة تقديم منتج جديد للأطفال، واردات كشف سلوكهم ورغباتهم ودرجة استجابتهم للمنتج الجديد قبل إنتاجه أو طرحه في الأسواق، لن يكون في مقدور الشركة إعداد قوائم الاستبيان والنزول لسؤال الأطفال والحصول منهم على الإجابات، ولكن تصبح الطريقة المثلى هي ملاحظة سلوك الأطفال، واستجابتهم للمنتجات الموجه لهم في السوق، وإلى أي نوعية من المنتجات يتركز اهتمامهم.

من هنا جاءت فكرة خبراء التسويق في تطوير اتجاه الملاحظة في البحث التسويقي إلى نوعية من البحوث المتعمقة والمدروسة من أجل كشف خصائص الأفراد واتجاهاتهم وميولهم في الثقافات المختلفة (Ethnographic research)، وتبدأ أولى خطوات هذا البحث بتدريب مجموعة من المتخصصين وإرسالهم إلى أماكن تواجد العملاء المستهدفين، للتفاعل معهم ودراسة سلوكياتهم، والتعرف على خصائصهم بدقة من أجل كشف المشكلات التي تواجههم، والحاجات والرغبات التي يميلون إلى إشباعها، وبالتالي تطوير منتجات تناسب هذه الرغبات والاحتياجات.

اعرف أكثر عن طريقة الملاحظة، بحالة عملية من فنادق ماريوت.

ربما تظهر نقطة ضعف هذه الطريقة في البحث في حالات لا يستطيع المسوق ملاحظتها بدقة، مثل شعور الناس ورغباتهم الداخلية، أو عندما لا يكفي مراقبة سلوكهم الخارجي للتعبير عن حاجتهم الحقيقية ورغباتهم، وعندما أيضاً يتعلق الأمر بسلوك العميل طويل المدى الذي لن يظهر هو أو آثاره الآن حتى يمكن ملاحظتها.

على الرغم من أن الملاحظة قد توصف سوق، لكن في الحقيقة هي لا توصف كما تفعل الاستبيانات، لكنها تكشف المشاكل التي يواجهها المستخدمون أثناء الاستخدام (أو الشراء مثلا)، وتحاول وضع هذه المعلومات كوصف يساعد عند إدخال منتجات جديدة للسوق.

تحديد العلاقة بين الحالة والتأثير- Causal Research

هدف هذه النوعية من الأبحاث التسويقية هو قياس الافتراضات والعلاقات بين تغيير وتعديل عنصر من عناصر المنتج، وبين التأثير والمردود الحادث بسبب هذا التغيير. سنفترض أن شركة إنتاج السيارات ستقدم عرض بيعي بتخفيض سعر الوحدة من 50 ألف دولار إلى 48 ألف دولار، هل ستزيد المبيعات بالدرجة التي تغطى فيها الخسارة في العائدات الناتجة عن تخفيض سعر السيارة ألفي دولار؟؟ وماذا يحدث إذاً لو خفضت نفس الشركة سعر السيارة من 50 ألف إلى 47 ألف؟

طريقة الاختبار – Experimental Research هي الطريقة الأفضل دائما في أهداف البحث التسويقي المتعلقة بتغيير أو تعديل عنصر من عناصر التسويق.

على سبيل المثال يستطيع الباحثون اختبار المنتج الجديد أو التعديلات فيه قبل طرحه في الأسواق ووصوله إلى العميل، وبذلك يكون هدفه الأساسي الحصول على المعلومات السببية، أي معرفة العلاقة بين الحالة ونتائجها (بين تعديلات المنتج الجديد ومعدلات الزيادة في المبيعات مثلا).

يتم ذلك البحث باختبار مجموعات وعينات متشابهة ومعالجتهم بطرق مختلفة مع التحكم في العوامل غير المرتبطة بالاختبار.

افترض: أن مطعمك العالمي سينتج نوع جديد من الأطباق، قم باختبار نفس المنتج الجديد في محافظتين أو بلدين متشابهين في الظروف لكن بسعرين مختلفين، مع التحكم في باقي العوامل الأخرى، مثل عدم الترويج لهذا المنتج الجديد (حتى لا تؤثر الدعاية في الاختبار)، ثم راقب المبيعات في كلاً من البلدين، ومن ثمّ يمكنك أن تختار السعر المناسب لعملائك.

كيفية تحديد عينة البحث التسويقي

تحديد العينة – sampling هي من ضمن الفنيات التي تفهم من خلالها الفرق بين بحث السوق، والذي ربما يتم بطرق عشوائية، وبين البحث التسويقي المنظم، والذي يجب أن يتم طبقاً لخطة تبدأ بتحديد الأهداف ووسائل البحث وأدواته، و تمر باختيار العينة، وتجميع البيانات منها، وتنتهي بإفراغ البيانات في شكل تقرير فيه معلومات تسويقية هامة لتحقيق أهداف الشركة من بحثها التسويقي.

بالنسبة لاختيار وتحديد العينة فهو شأن يخص غالباً الاحصائيين في الشركة، خصوصاً لو الشركة كبيرة وتحتاج بحث تسويقي معقّد، حينها تلجأ لشركة متخصصة في الأبحاث التسويقية، أو على الأقل أخصائيين محترفين للقيام بهذه المهمة، و كلامي هنا عن العينة وكيفية تحديدها هو من باب العلم بما يفعله الغرباء في مطبخك !

أول شيء يتم تحديده لإجراء بحث تسويقي، هو المجتمع – Community/ Population، الذي سيجرى عليه البحث.

هذه المهمة احياناً تكون سهلة عندما تكون الفئة المستهدفة من المنتج أو الخدمة واضحة، ومعروف من هم متخذي قرارات الشراء فيها، واحياناً تكون صعبة جداً ومعقدة في حالة عدم وضوح الرؤية بشأن متخذ قرار الشراء والذي ستجرى عليه الشركة بحثها التسويقي.

مثلا، عندما تجرى مدرسة بحث تسويقي، مَن من المفترض أن يتم عليه البحث التسويقي؟ .. الأمهات ام الآباء أم الأولاد أنفسهم؟ … هنا يوجد العديد من الأطراف التي تؤثر على قرار الشراء النهائي.. من فيهم تستهدف الشركة؟ لذلك على منفّذ البحث التسويقي أن يعرف ما هي المعلومات المطلوبة ومن هو الطرف الذي يستطيع أن يعطينا هذه المعلومات التسويقية.

يجب أيضاً على الشركة أن تحدد عدد العينة – Sample Size. تخيّل أنك استطعت ان تجرى البحث التسويقي على كل المجتمع المستهدف من البحث التسويقي.. كيف ستكون النتائج؟ بالطبع ستكون هذه النتائج هي الأكثر دقة على الإطلاق، ولكن إجراء بحث تسويقي على كل المجتمع أو الفئة المستهدفة من البحث التسويقي ليس حل عملي او منطقي، لأنه سيستهلك الكثير من الوقت والجهد، ولذلك ستلجأ الشركة لأن تجرى بحثها التسويقي على نسبة أو عدد محدود من هذا المجتمع الكبير، وبالتالي يجب ان تختار العينة بدقة وبشكل احترافي حتى تستطيع ان تتحدث العينة المُختارة باسم المجتمع الأصلي الكبير، وتعطي نتائج دقيقة تعبّر عنّه.

بالنسبة لطريقة تحديد العينة – Sampling Procedure، يوجد أسلوبين أساسيين لاختيار العينة، الأسلوب الأول هو العينة الاحتمالية – Probability Sample،  والأسلوب الآخر هو العينة غير الاحتمالية – Nonprobability Sample.

و لتبسيط الأمر.. دعونا نفترض أن هناك شركة سيارات تريد أن تجرى بحث تسويقي على الفئة المستهدفة من سيارتها، هذا البحث التسويقي قد يكون لهدف مسح أو وصف السوق  – Survey، او لملاحظة بعض الظواهر وتحديد المشاكل ورائها وحلّها – Observation ، أو لتجربة بعض التغييرات التي تريد ان تحدثها في عناصرها التسويقية  – Experiment.

تريد الآن الشركة أن تستخدم واحد من الأسلوبين الأشهر لتحديد العينة التي ستجرى عليها بحثها التسويقي.. باتباعها لـ أسلوب العينة الاحتمالية، يجب أن تكون فرص اختيار أفراد العينة متساوية ولا تحيّز فيها، الجميع لديه نفس الفرصة لكي يتم تطبيق البحث التسويقي عليه.

سوف تضع الشركة جميع البيانات المتعلقة بالمجتمع الذي ستجرى عليه البحث، وذلك في ملف إحصائي واحد يضم كل الفئة المستهدفة من البحث، ثم ستختار بشكل عشوائي العدد الذي اختارته ليمثّل العينة.. هذا الاسلوب هو الاسلوب العشوائي البسيط – Simple Random Sample.

ايضاً تستطيع الشركة، في إطار استخدامها لأسلوب العينة الاحتمالية، أن تقسم البيانات لديها حسب أي تقسيم يؤثر على البحث، مثل أن تقّسم المجتمع طبقاً للسن او الدخل ثم تختار من كل فئة بنفس الأسلوب العشوائي الذي ذكرناه من قبل، فيما يسمّى بالأسلوب العشوائي المنتظم أو المُرتّب  – Stratified Random Sample، او ربما تقسّم الشركة المجموعات، ليس طبقاً لعوامل محددة او منطقية مثل العمر، بل طبقاً لترتيبهم الطبيعي، مثل أن تأخذ مجموعة او منطقة جغرافية ثم المجموعة أو المنطقة التي تليها، ثم التي تليها، وتأخذ من مجموعة أو منطقة عدد محدد بشكل عشوائي ايضاً فيما يعرف ب أسلوب المناطق أو المجموعات – Cluster/ Area Sample.

أما لو اتبعت الشركة أسلوب العينة الغير احتمالية، فهذا يعني أن الفرص غير متساوية لكل الأفراد، سوف تتدخل معايير خاصة تضعها الشركة لكي تحدد العينة، فمثلاً شركة السيارات التي تساعدنا الآن كمثال للتوضيح، ربما تختار العينة الأيسر- Convenience Sample، سوف تختار اسهل عينة يمكن ان تصل اليها وتجرى عليها الاستبيان، لن تجهد نفسها كثيراً في تحديد العينة، بل ستذهب لأقرب مكان وافضل وقت بالنسبة إليها تجد فيهم عينة من الفئة المستهدفة تجرى عليهم البحث.

وقد تذهب الشركة لأن تتحيز لفئة أو مجموعة معينة من المجتمع المستهدف، الشركة ترى ان هذه المجموعة هي الافضل في إعطاء أفضل النتائج، وبالتالي تذهب إلى هذه المجموعة بشكل متحيز واضح فيما يُعرف بأسلوب العينة القائمة على رأي أو حكم لمنفّذ البحث – Judgment Sample.

ايضاً، وارتباطاً بهذا الأسلوب التحيّزي من الشركة منفذّة البحث، يمكن أن ترى الشركة أنه هناك فئة تمثيلها قليل جداً في المجتمع لدرجة أنه ربما يتم اهمالها في العينة، فمثلاً شركة السيارات قد ترى أن من ضمن الفئات التي يجب إجراء البحث عليهم هم الفئة العمرية حتى 22 عام، ولكن هم قليلين وقد تصل نسبتهم الى 3%

لذلك سوف يحدد منفذ البحث نسبة محددة من هذه الفئة يجب أن يتم تطبيق البحث عليها حتى لا يتم اهمالها او نسيانها في البحث، وبعد تحديد نسبة من هذه الفئة في المجتمع، سوف يختار منها عدد ايضاً محدد لإجراء البحث التسويقي عليه.

 تقسيم المجتمع لنسب ومجموعات حتى لا يتم إهمال أي نسبة أو مجموعة، ثم اختيار عينة من كل مجموعة او نسبة يُعرف ب أسلوب التقسيم – Quota Sample.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى