أهمية الرؤية ونموذج العمل للنجاح في البيزنس الناشئ
سأخبرك في هذه المقالة عن أهمية الرؤية ونموذج العمل للنجاح في البيزنس الناشئ، وهو الشئ الذي يتسبب في فقدان الكثير من المشاريع الناشئة لقوة الاستراتيجية وبالتالي تشتت وضياع البيزنس.
في مقالة سابقة تحدثت عن مشروع نيتشرز دايركت، الذي استهدفنا من خلاله الإعلان للشركات، كان الخطأ الأكبر حينها أننا وضعنا أموال أكبر من قدراتنا في موقع إلكترونى، وهذا أثّر بعد ذلك علينا نفسياً ومادياً، وكان سبب رئيسي في عدم تكملة المشروع. اليوم أخبرك عن نفس الفكرة لكن بزاوية وخطأ آخر. (يُمكنك مراجعة مقالة: تكاليف المشروع الناشئ: كيف تضع المال في المكان الصحيح ).
في مرة سمعت أستاذ في الجامعة يقول أن علينا استكشاف السوق أو معرفة ظروف البيئة المحيطة ثم وضع المهمة – Mission والأهداف، وكان هذا خارج اعتقاداتي تماماً، فكنت دائماً أرى أننا نضع المهمة والأهداف ثم نبحث السوق، وعندما سألته عن هذه النقطة تحديداً، وضح لى شيء تأكدت منه بالتجربة، وهو أننا لا يجب أن نعمل بشكل منفصل عن البيئة و السوق، لا يجب أن تحركنا الأحلام والأماني وننسى البيئة التي نعمل بها.
عندما بدأت Niche Direct كان الأمر قد تطور معى كالتالي:-
أنا أعشق الإعلانات خصوصاً الإعلانات الثابتة والمطبوعة ذات الأفكار المبدعة، وكنت أحب فكرة إخراج أفكار لهذه الإعلانات وكتابة نصوص إعلانية لها، هذا قادنى للتفكير في عمل موقع نقوم فيه بتصميم إعلانات مبدعة، سوف نجمّع كل هذه الإعلانات المبدعة في مكان واحد، وهو الموقع الإلكترونى الذى أردنا إنشائه، سيكون مثل متحف يضم قطع فنيّة، وسيأتى الزوّار لمشاهدته!
هذا تصور ساذج جداً، لأن محبى الإعلانات وأفكارها المبدعة لن يصنعوا زحام – Traffic كبير على الموقع بأي حال، لأنهم فى النهاية فئة ذات عدد قليل من فئات السوق المختلفة، الشيء الآخر ماذا سنستفيد من هذا الزحام، إذا حدث الزحام أصلاً فسوف يكون من أشخاص يحبون الفن في الإعلان، وهذا لا يعنى أن هذا الطريق سوف يؤدى إلى مبيعات للشركات، فاهتمام أحدهم بروعة الإعلان لا يعنى أنه سوف يشترى المنتج المعروض في الاعلان.
بدأت في التفكير في عمل صفحة مليئة بالفوائد والمزايا عن المنتجات والخدمات التي تقدمها الشركة، سوف نقوم بعمل إعلانات مبدعة للشركة، وعندما ينبهر الناس بالإعلان سوف يضغطون عليه ثم يدخلون إلى صفحة الشركة والتي سوف يقتنعون بما تقدمه من خدمات ومنتجات وسوف يدفعهم هذا للشراء، هذا سيناريو مقبول نوعاً ما لأننا بهذا رفعنا الموقع الالكترونى درجة من حيث نموذج الربح، الناس الآن سينبهرون، وهذا يدفعهم للتعرف على الشركات والشراء منها.
عندما اتفقنا مع شركة تصميم المواقع على الاستراتيجية الخاصة بالموقع أضفنا الكثير من الأدوات التي تسهل علينا توصيل فكرتنا، من إمكانية وضع صور و مقاطع فيديو، وألبوم كامل ومخصص للصور لكي يجذب الانتباه ويزيد من اقناع الناس.
هذا نموذج على الرغم من أنه مقبول إلا أنه لا يساوى شيء في الواقع ولا في السوق، أنت لديك موقع الكترونى مميز يبيع بشكل مباشر – direct marketing ويوفّر على الشركات مصاريف الإعلانات في الوسائط المختلفة، وله العديد من مزايا التسويق الإلكترونى عموماً. لكن في النهاية نحن نفتقد لأهم مظاهر نموذج الإعلان الناجح وهو وجود زحام من المستهدفين ذوى احتمالية الشراء العالية، وهذا كان ينقص النموذج، ولقد أنفقنا أموال كبيرة بالفعل في تصميم الموقع الخاص بالفكرة، ولم يكن لدينا خطة ولا ميزانية من أجل الترويج للموقع، حتى الأمر لم يخطر في بالنا في البداية، مع أن النموذج الإعلانى قائم بالأساس على فكرة خلق الزحام، أين هذا الزحام؟! وكيف سنقنع الشركات بأن يستخدموا الموقع ونحن ليس لدينا خطة إعلانية تخلق زحام يشجعّهم !
تطوّر تفكيرنا بعد ذلك كثيراً وإلا لما كنت أتحدث عن فكرتى الآن على إنها فكرة ساذجة، تعلمت منها الكثير، والآن أرى الخطأ واضح، هو أننا كنا نسير بالأماني والأحلام و التفكير بإبداع في قالب ليس له علاقة بالحقيقة ولا بالسوق، في حالتنا كنا نُبدع في معزل تام عن السوق، ليس لدينا استراتيجية واضحة للفوز والربح وجذب العملاء.
لقد أعطينا مساحات إعلانية لبعض الشركات لكسب العملاء، وصممنا لهم إعلانات بالفعل، لكن في النهاية لم يقودنا الأمر لأى شيء ولم يكن ليحدث أبداً.
يجب أن تفهم أن الأعمال تقوم على الخطة الواضحة، فهم السوق ومعرفة إلى أين وصل، ثم يبدأ إبداعك من هذه النقطة. أما الذين يكبرون على حلم يريدون تحقيقه في وقت محدد أو ظروف معينة بعدم التزام بقواعد السوق واحتياجاته الحقيقية فهم لا يحققون شيء.
حتى أكثر الشركات إبدعاً في العالم ترى ماذا يريد السوق وتقدّم لهم المنتج في شكل جديد أو غريب ولكنه يخدمهم ويناسب ظروفهم، مثل Apple التي يعتقد الكثيرون أنها لا تلتزم بالبحث التسويقى أو بإشباع احتياجات السوق، آبل تبدع وتُخرج بالفعل منتجات غير متوقعة لكنها في النهاية لديها استراتيجية واضحة للربح، وتعرف كيف تحرك عواطف و رغبات المشترين.
أنا هنا لا أقول لك كن روتينى ممل وإياك أن تقترب من الإبداع، بل بالعكس يجب أن تُبدع لتظهر لكن لا تترك المشروع هو الذى يحركك كيف يشاء، أنت الذي تحرّك مشروعك بالشكل المربح والمبدع، أنت الذي تضع نموذج الربح الذى تحصل على نتائجه الآن أو غداً.
للأسف لنقص الخبرة، كررت خطأي هذا بعد ذلك، كنت أتحرك بالمشروع من باب أن نفعل شيء جديد ومبدع، وهذا يعطيك فكرة واضحة لماذا كثير من المشاريع المبدعة الغريبة تفشل، وأغلب المشاريع التي تنجح هي مشاريع تقليدية روتينية للغاية، السبب بسيط وهو أن المشاريع المبدعة في أحيان كثيرة لا تنظر إلا إلى ذاتها، ولا تنظر إلى الناس والأسواق وبالتالي تفقدهم أما المشاريع الناجحة تعمل لصالح الناس حتى لو بشكل تقليدى فتكون نسبة نجاحها كبيرة.
أخيراً يجب أن يكون هدفك من المشروع التجارى واضح، مثل أن تحصل على أرباح كذا، أو نصيب من السوق أو تكسب عملاء بشكل محدد وواضح ولديك استراتيجية لفعل ذلك، وهذا يأتي بالعلم والخبرة والتجربة والخطأ والاحتكاك بالأسواق واحتياجات الناس، لكن إذا لم تفعل هذا فأنت تدير مشروعك وتوجهه للاّ شيء! لفهم هذا الأمر بشكل أعمق والتعرف على نماذج العمل الشهيرة، يمكنك مراجعة هذا المقال: نماذج الأعمال التجارية.
بالتوفيق