كيف تبدأ مشروع تجاري ناجح | نصائح هامة للاستارت أب

كثير من زوار موقع التسويق اليوم مبادرين بمشاريع خاصة أو يبحثون في أفكار مربحة ليقيموا مشاريعهم الخاصة، سواء كنت تفكر في فكرة مشروع تجاري ناجح، أو بدأت بالفعل تنفيذه وتحب له النجاح والتميز، فهذه المقالة سوف تساعدك في أن تبدأ مشروعك الناشئ بخطوات علمية مدروسة.
نصائح لكي تبدأ مشروع تجاري ناجح
لا تترك وظيفتك حتى ترى مشروعك أولا!
متى أبدأ مشروع ناشئ؟ هذا سؤال محير. سوف أخبرك بالتوقيت الأفضل للتفرغ لمشروعك الناشئ، وهو ببساطة عندما تبدأ في رؤية ملامح واضحة لنجاح هذا المشروع، مثل وجود قاعدة بيانات لعملاء تبني عليها، أو بعض النجاح في العمليات والترويج، أما أن تترك وظيفتك فجأة وتتفرغ لمشروعك، فهذا – بنسبة كبيرة – يكون خطأ قاتل لكثير من المبادرين الذي يضعون عبء ضخم على عاتقهم، ذهنيا وماليا.
عندما تخرجت من الجامعة كنت أسير وراء حماسي في إنشاء مشروع خاص، لذلك تركت عملي كموظف وبدأت التفرغ للعمل كصاحب مشروع ناشئ، يحلم بأن يكبر هذا المشروع ليكون كيان تجارى قوى.
هذا الأمر تكرر معي أكثر من مرة، أترك وظيفتي، لعمل مشروع خاص.
كنا نظل نعمل بالأشهر في المشروع الخاص، وعندما نجد أن مواردنا قد نفذت، ولم يعُد لدينا أمل كبير في نجاح المشروع، ألجأ حينها للوظيفة مرة أخرى، وهناك سؤال كان يتكرر في ذهني: إذا عملنا لمدة 8 ساعات على الأقل على مشروعنا الناشئ الخاص كما نفعل عندما نكون موظفين وبنفس الالتزام للشركة التي نعمل فيها، هل لم يكن من المنطقي أن ينجح مشروعنا؟!
بالفعل أرى أننا لا نعمل بشكل قوى ومؤثر على مشروعنا كما نضطر أن نفعل في عملنا كموظفين في الشركات، لكن مع الوقت والخبرة اكتشفت ان حل المشكلة ليس في أيدينا، نحن لا نقصر من ناحية الوقت أو المجهود، الأمر مختلف تماماً.
الأمر متعلق أنك في مشروعك الناشئ لا تعرف ماذا تفعل بالتحديد! هذه هي المشكلة، أن تدور وتذهب وتجيء بدون إنجاز الكثير، وذلك فالوقت معك وانت على استعداد تام لفعل كل ما يلزم من أجل النجاح فعلاً، لكن في الحقيقة إنك لا تعرف ماذا يلزم أصلاً!
هناك سببان لهذه المشكلة:
أولاً نقص الخبرة. أنت لا تعرف ما هي الأدوات اللازمة لنجاح المشروع ولو عرفتها لعملت عليها وأنجزت بها مشروعك.
أنت لا تملك علاقات كافية من أجل إنهاء بعض الأمور الهامة لتسيير مشروعك، أنت لا تملك الموارد المالية لجلب أفضل الأدمغة، وإذا حاولت ان تقوم انت بمهام هذا الفريق فلا تقوم به بأفضل الطرق.
هناك الكثير جداً من الأشياء التي يجب عليك إنجازها لنجاح المشروع، ولكنك في الحقيقة لا تعرفها لأنك دخلت المشروع بحماس ولم تخطط له جيداً وتعرف ما هو المطلوب منك تماماً لنجاحه، وهذا الأمر يتطلب دراسة مكثفة أو خبرة كافية.
لذلك أنت تلف وتدور في نفس الدائرة، تستيقظ مبكراً، تحمّس نفسك وتحمّس فريقك، وتكتب أهدافك بدقة، ولكن لا تنجز الكثير، لأنك لا تعرف كيف يتم إنجاز الأشياء.
ثانياً.. من خبرتي مع المشاريع الخاصة فيمكنني تقسيم المشروع التجاري الناجح لـ ٣ مراحل:
1- مرحلة التحضير، واستكشاف السوق، وتجميع الفريق، ودراسة الفكرة أو الأفكار المناسبة لنجاح المشروع. هذه المرحلة قد تأخذ الكثير من الوقت، لأنه في رأيي التحضير لأي مشروع أهم من المشروع نفسه، وإذا لم تحضّر بشكل صحيح، فلن ينجح مشروعك.
وهذه المرحلة لا تتطلّب الكثير الوقت والجهد كما يعتقد الكثير، لكن تطلب التخطيط ودراسة المشروع بشكل دقيق استعداد للمرحلة الثانية. لذلك تستطيع غالباً القيام بهذه الأمور بجانب عملك في شركة أو بجانب مهام أخرى عموماً.
2- مرحلة المشروع الصغير الناشئ الذي يرى النور ويرى احتمالية نجاح وتكبر هذه الاحتمالية مع الوقت. كل شيء واضح، الأهداف واضحة، الأدوات متاحة، الطرق وأساليب النجاح واضحة، كل عضو في الفريق يعرف ما الذي يريد القيام به وكيف يقوم به فعلاً. في هذه المرحلة من المنطقي ان يُظهر المشروع نجاح، ويأتي ببعض العوائد المالية، حتى لو قليلة، لكن يُتوقّع لها الاستمرارية والنمو. وهذه المرحلة هي التي تتطلب جهد خارق ووقت كبير حتى يبدأ المشروع في التحرك من مرحلة المشروع الناشئ الصغير لمشروع تجارى مُربح، وفي رأيي هذا يحتاج لتفرغ، ومن الصعب جداً أن تفعله بجانب عملك كموظف في شركة.
3- مرحلة هي مشروعك التجاري الواضح الذي يأتي بأرباح كبيرة، أو معقولة وتزيد مع الوقت بشكل واضح ومستمر، لديك فريق متكامل كل عضو فيه يقوم بدور له قيمة كبيرة ويحقق أهداف المشروع أو الشركة.
يبدأ الضغط يخف تدريجياً عن أصحاب المشروع، لأن الأمور أصبحت أكثر تنظيماً ووضوح. أنت الآن صاحب مشروع تجارى ناجح، وعندما تريد أن تنمو بالمشروع، تستطيع جلب موظفين أكثر في الفريق وأقدر على تحقيق المهام المطلوبة، وتستطيع حينها أن تأتي بمدير خبير ليدير المشروع بدلاً منك.
بمعنى أنك أصبحت الآن صاحب مشروع وتحتك من يتولى العمل والإدارة، وحينها تختار أن تُكمل كعضو في الفريق مؤثر في العمل والإنتاج، أو تكون فقط صاحب مشروع يديره من بعيد، ويجني الأرباح.
بالتالي هذه المرحلة يكون الوقت والضغط المطلوب لنجاح ونمو المشروع أقل أو أكبر (طبقاً لاختيارك في طريقة الاستمرار فيه).
الخطأ المتكرر من المبادرين هو أنهم يتركون وظائفهم الثابتة في الشركات في المرحلة الأولى التي ذكرتها من مراحل بناء
المشاريع الناجحة.
هم يتحركون بالحماس، وعندما يتركون عملهم الوظيفي الذي يأتي لهم براتب شهري ثابت آخر كل شهر، ويذهبوا ليضعوا أنفسهم تحت الضغط، فهم يكونون في مرحلة الإعداد وهم يعتقدون أنهم في مرحلة البناء! مرحلة الإعداد والتخطيط تكون مليئة بالتخبطات والنزول والصعود ولا يوجد فيها شيء ثابت ولا شكل للمشروع ولا عائدات واضحة منه.
في المرحلة الأولى يكون الوقت اللازم للعمل في المشروع قليل، وليس كما يعتقد الكثير أن هذه المرحلة هي مرحلة التأسيس، إنها ليست مرحلة التأسيس ولا البناء، بل مرحلة التخطيط وربما التخبط قليلاً، الوقت المُستهلك يجب أن يُستثمر في عملية دراسة السوق وتجميع الفريق، وعمل بعض المهام التي تهدف لأن يكبر المشروع من مجرد فكرة قابلة للتنفيذ أو الفشل الى مشروع حقيقي يأتي حتى لو بأقل القليل من العوائد المالية او الأرباح الصافية، حينها فقط، وبعد أن تطمئن من هذا الأمر يمكنك ترك وظيفتك الثابتة، و الانتقال إلى خانة أصحاب المشاريع والأعمال!
أخيرا لا تنس أن وظيفتك هي مصدر تمويل هام لمشروع التجاري الناشئ، وهذه طريقة هامة من طرق تمويل مشروعك الناشئ.
كيف تأتي بالأفكار التجارية المميزة؟
إن أغلى ما يمكن أن تحصل عليه في هذا العالم التسويقي هو الأفكار، إن الأفكار هي كنز الشركات الأول، وما الشركة الناجحة إلا فكرة مميزة حولتها في شكل منتج أو خدمة يخدم الناس ويلبى احتياجاتهم، وفى نفس الوقت يحقق الربح للشركة. والسؤال الآن.. من أين تأتي بالأفكار التجارية المميزة؟
دعنا نتحدث أولاً عن النطاق الأوسع، وهو نطاق الشركات الكبيرة، والتي تعامل التسويق المعاملة التي تليق به، وهذه الشركة تمتلك إدارات تسويقية متميزة، من ضمنها ادارة البحث والتطوير – Research and Development، والتي تُعرف اختصاراً بـ R & D.
في هذه الإدارة تكون المسئولية على العاملين بها ليخرجوا بالأفكار المميزة، ويختبروا هذه الأفكار – في شكل منتجات وخدمات – على الأسواق المستهدفة، وبعد إجراء هذه الاختبارات التسويقية العلمية الدقيقة، تكون النتيجة، إما نعمل على هذه الفكرة، أو أن الفكرة غير مُرحب بها او غير قابلة للتطبيق، ولن يحالفها النجاح.
هذه الادارة الهامة جداً تجدها في الشركات الكبرى، وخصوصاً تلك الشركات التي تنافس بمنتجات مبدعة، فتخيل معي الآن كيف هي قوة إدارة البحث والتطوير في شركات آبل أو سامسونج! ان هذه الشركات تنافس على أفكار، وبالتالي هذه مهمة إدارة البحث والتطوير، سواء كان اسمها هكذا صراحة، او تحوّر اسمها في أشكال تسويقية متعددة.
في الشركات التي يكون فيها البحث والتطوير أشد حدّة من شركات الإبداع السابق ذكرها، يذهب التسويقيين فيها، او متخذو القرار عموماً، الى شركات البحوث التسويقية المتخصصة، وهى شركات لديها من القدرات البحثية والعلمية لكى تنفذ أبحاث سوقية وابحاث تسويقية دقيقة ومعقدة، وتخرج بأدق النتائج الممكنة للشركات، وحتى لو كان حل اللجوء لشركات بحث تسويقية متخصصة هو الحل الاقتصادي للشركة، لكن يظل البحث التسويقي التي تنفذه الشركة بنفسها هو حل واقعي بشكل أكبر، لأن الشركة مهما حاولت توصيل ما تفعله وما تريده لشركة أخرى، لن تنجح، الشركة هي الوحيدة التي تعلم ما تريد وما هي أهدافها من الأبحاث السوقية.
إذاً هذا هو الحال في الشركات الكبيرة والتي تطبّق التسويق في شكله الصحيح. يكون التفكير في منتجات وخدمات جديدة متمركز في ادارة محددة، على رأس هذه الإدارات وأشهرها إدارة البحث والتطوير، ولكن ماذا عن الشركات الصغيرة والمتوسطة؟
لكل شركة استراتيجيتها في الحصول على افكار جديدة ومميزة، ولكن بشكل عام هناك طرق وأساليب معروفة لكي تخرج الأفكار، وأهمها على الإطلاق جلسات العصف الذهني – Brainstorming.
هذه الجلسات العصفية يجلس فيها العديد من الأطراف من أقسام وتخصصات مختلفة، كلٌ يلقى بدلوه، الافكار تخرج متدفقة بدون تدقيق ولا ترتيب ولا قوانين، ظاهرة صحية هي خروج الأفكار، والسماح بجميع الأفكار بدون أي استثناء بالخروج، و شق طريقها الى عقول اخرى في هذه الجلسات الذهنية
مهم جداً في المرحلة الاولى من تلك الجلسات ألّا تمنع أي افكار – مهما بدت غبية أو غير منطقية. كن حذراً في هذه الكلمة الاخيرة، فالأفكار لا تتصف غالباً في هذا العالم التسويقي بالغباء أو الذكاء. الأفكار تظل افكار، نحكم على جودتها بمدى إمكانية تطبيقها على أرض الواقع. وكم من فكرة وصفها بالغبية حققت نجاحات تسويقية هائلة.
ايضاً حتى الأفكار التي تراها غبية، ربما تكون كذلك، لأنها مجرد نصف فكرة، مازالت فكرة غير مكتملة، وبمجرد ان نكمّلها بفكرة اخرى، سوف تصبح فكرة متكاملة قابلة للتطبيق والنجاح التسويقي.
أيضاً لا تتوقع ان يخرج أحدهم بفكرة عبقرية خارقة من أول مرة، من جلس في هذه الجلسات الذهنية يعرف ما اتحدث عنّه، أن طبيعة الأفكار انها تتطور، وغالباً الفكرة الأولى لا تكون هي الفكرة الأخيرة التي تستقر عليها الشركة، الفكرة الأولى سوف تتحور وتتحور لتصل للشكل النهائي الذي نريده. نعم يوجد افكار أوليّة خرجت وتم تطبيقها بشكل مباشر، ونجحت، ولكن هذا قليل.
الأفكار عموماً تتحور وتتفاعل مع افكار مثلها لكي تكتمل، ومن ثمّ تنجح. بعض الشركات تنفّذ استراتيجية العصف الذهني بشكل مختلف، فمثلاً من الامثلة الشهيرة، هو ذلك اللوح الأبيض – Board الكبير الذي يوضع في مكان ظاهر لكل الأعين في الشركة، مع دعوة للجميع للمشاركة، سوف يمر الجميع على هذه اللوح الأبيض، بداية من أصغر عامل إلى المدير أو صاحب الشركة، ويسجّلون آرائهم واقتراحاتهم وملاحظاتهم، وهذا سوف يفي بالغرض، وسوف يخرجون بأفكار هائلة!
أخيراً، لا تبنى آمال عريضة على الفكرة في حد ذاتها. الفكرة لا شيء بدون قدرات تسويقية وغير تسويقية لتطبيقها وإخراجها بالشكل المطلوب.
لو دققت قليلاً، سوف ترى في العالم أفكار عبقرية، او هكذا يسميها الناس، هذه الأفكار لم تر النور ولم ترى نجاح يُذكر في الأسواق. ببساطة الناس لا يأبهون لأفكارنا العبقرية، كل ما يهمهم هو منتجات وخدمات تُشبع احتياجاتهم.
بل إن ما يلفت نظري دائماً هو أن أغلب الشركات الناجحة، بل العملاقة في العالم، لا تقوم على أفكار عبقرية، أنها تقوم على أفكار عادية وتقليدية للغاية، ولكن تجد الأفكار الرائعة في طريقة تطبيق هذه الافكار التقليدية، وفي طرق الإدارة والتسويق لما تقدمه. وهذا هو ما يصنع الفارق التسويقي دائماً.
يُمكنك الاستعانة باستراتيجية تسويق الثغرات – Niche Marketing وقد كتبنا مقالة طويلة هي من أهم وأشهر مقالات التسويق اليوم، يمكن الرجوع لها، وهي تعطيك أفكار عديدة لمشاريع صغيرة للغاية ولكن مربحة، قائمة على فكرة تسويق الثغرات.
اعرف جدوى فكرتك أولاً
مهم جدا بعد جلسات العصف الذهني أن تنزل للواقع وتحاول تقدير مدى نجاح الفكرة التي استخرجتها ومدى تقبل السوق لها.
هناك طرق أساسية لفعل ذلك الأولى هي دراسة الجدوى.
في دراسات الجدوى عليك بتجميع كل المعلومات التي تستطيع تجميعها لكي تعرف تكاليف المشروع وتصنيع المنتج أو تقديم الخدمة، مع محاولة تقدير تكاليف التسويق والاعلان، وفي النهاية سوف تحاول توقع الطلب على المنتج وبالتالي أنت بشكل عام تدرس جدوى فكرتك من الناحية المالية والتسويقية.
الطريقة الأخرى لدراسة الأفكار الجديدة وقياس مدى قدرتها على النجاح هو الاختبارات المبدئية – Pilot Test وهي طريقة أفضلها كثيرا، خصوصا مع الشركات الناشئة التي تأتيني تريد صرف مبالغ باهظة على الأبحاث التسويقية ودراسات الجدوى.
نصيحتي لك إذا كنت تريد أن تبدأ مشروع ناشئ أن تجرب على أصغر نطاق ممكن تستطيعه. إذا كان لديك بعض الخبرة في المجال، ولديك ثقة في الفكرة، تستطيع تقديم المنتج في أضيق نطاق، بدون شراء معدات باهظة الثمن (تصنيع لدى الغير مثلا)، وبدون عمل كميات كبيرة من المنتج. حاول أن تضع المنتج أمام الناس ببضع إعلانات او استراتيجية سوشيال ميديا ماركتينج جيدة، وشاهد رد فعل الناس. الاختبارات المبدئية طريقتي المفضلة في كثير من المواقف التسويقية مثل وضع الميزانيات الاعلانية لعميل جديد مثلا، وهي تصلح أيضا إذا كنت تريد دخول سوق جديد.
لن أطيل في نصيحة كيفية تحويل الفكرة لموديل ناجح، لأننا كتبنا مقالة كاملة عن هذا الشق من بدايات المشروع الناجح يمكن الرجوع لها من هنا.
العمل ثم العمل، وانسى الـ CEO قليلا!
سوف أخبرك عن عيب قاتل من عيوب المبادرين بمشاريعهم الناشئة، وهو الاستعجال على الألقاب والإدارة، وكأنهم دخلوا البيزنس لهذا السبب تحديداً! عيب المبادرين القاتل في البيزنس، هو استعجالهم على أن يكونوا مديرين، وأن يعطوا التوجيهات والارشادات من فوق. وذلك على الرغم من أن أكبر الرؤساء التنفيذيين ومديري أكبر الشركات في العالم يقومون بمهام تنفيذية ويشاركون الفرق والافراد تحتهم، حتى مع قدراتهم التفويضية، لأن القائد وظيفته هو أن يوجه بناء على رؤية، وهذه الرؤية غالبا ما تحتاج احتكاكه بالسوق والناس وأرض الواقع.
بعد تخرجي من قسم إدارة الأعمال عملت في نفس الجامعة كمعيد، هناك صادفني نموذج جامعي بحثوا له عن أحد المتخصصين لتدريس التسويق فلم يجدوا وعرفوا أني واحد من المعيدين المتخصصين بإدارة الأعمال، وقمت بمراجعة بعض مواد التسويق ثم وفقت لإعطاء كورس تدريبي مميز سمح لي بعد ذلك بالطمع قليلاً والتفكير في أي يكون لي كيان تجارى خاص، أو مشروع مبدع، وبالفعل فكّرت في فكرة Nichers، وهو باختصار مشروع يعمل على تكوين فرق في تخصصات مختلفة ويقوم بسد الثغرات – niches الموجودة في السوق.
إذاً أول من فكّرت فيه لمساعدتي في هذا المشروع كان الطلبة والمنظّمين للموديل الجامعي، وكانت هنا بداية المشكلة، فأنا وحتى وإن كنت حديث التخرج و لتوّى حصلت على أوراق تعييني في الجامعة، لكني كنت (دكتور فلان)، لكثير من الذين تحمسوا للعمل معي على هذه الفكرة، ومع الوقت أصبح أي شخص يدخل إلى كياننا التجاري الناشئ يعلم أن حسام على رأس هذا المشروع، وهم يقومون بتنفيذ ما أخطط له.
مع الوقت وحتى لو فقدت لقب (دكتور) من أغلب من في الفريق نظراَ لقرب أعمارنا، إلا أنى مازالت المسئول عن وضع الخطط والاستراتيجيات للعمل، وهناك فريق بالكامل ينتظرني لكي ينفّذ.
هذه المرحلة كانت من أفضل مراحل البيزنس في حياتي لأنك لن تجد كل يوم فريق يعمل معك بكل الحماس، ولا ينتظر عائد سوى النجاح، فريق متنوع وملئ بالطاقة وعلى استعداد تام لتنفيذ الأوامر، وهذا كله رائع، ما عدا شيء واحد فقط، وهو أنى لم أستحق أو لم تكن لدّى القدرة فعلاً لأكون CEO، أو المدير التنفيذي للمرحلة (لفظ CEO هو فقط كناية عن أنى كنت المدير المسئول ضمنياً، لكن كيان الفريق الصغير بالطبع لم يكن يحتمل هذا المسمّى الوظيفي أبداً).
أول سبب.. يجب أن أعترف أن الفارق بيني وبين من أرادوا العمل معي، سواء من حيث السن أو المرحلة المهنية حيث كان أغلبهم طلبة جامعة وأنا معيد في الجامعة قد أعطاني بعض الطمع غير المقصود إطلاقاً.
في مرّة عرفت أن إحدى المتحمسات في الفريق وكان من أكثرهم عملاً.. قالت فيما معناه (هو حسام عمّال يدّى أوامر ومبيشتغلش ليه!)، وطبعاً كان علىّ أن أوضح لها أنى أعمل أيضاً وأضحّى وبصراحة لم يكن هذا هو الواقع.
هذا يذكرني بثاني سبب وهو أنى كنت قليل الخبرة، وعندما تكن قليل الخبرة فمكانك ليس CEO ولكن مكانك الحقيقي هو العمل كثيراً جداً بجانب فريقك، لكى تكتسب الخبرة ولكى تتعلم وتتقن ما تعرفه عن مشروعك وتنمّيه، أما أن تتخيل أنك سوف تقف في مكان عالي وتعطي الأوامر بدون الدخول إلى أرض المعركة ودراسة البيئة فهذا وهم.
بدلاً من نزولي إلى السوق وبدلاً من عمل الأبحاث ودراسة الفكرة جيداً وتجربتها قبل أن أعطى الاستراتيجيات والأوامر، كنت ببساطة أرى نفسى أنى صاحب فكرة ولدى استراتيجية وكثير من العلم التسويقي الذى يسمح لي بأن أقود، ومع الوقت عرفت أن هذه النقطة بالذات جعلتني في وضع أفقد فكرتي وأفقد الفريق.
رأيت الكثير من المشاريع الناشئة سواء الناجحة أو الفاشلة وأؤكد لك أنه في كل مرة كان المشروع الناشئ ينجح، كان من ضمن أسباب ذلك هو طبيعة علاقة الفريق ببعضه، وفهم رؤوس المشروع أنهم لا يتميزون طبقياً، ما يميزهم هو التخصص، وكل عضو في الفريق الناشئ يفعل كل ما بوسعه، وينفق كل إمكانياته وموارده و مجهوده ووقته من أجل الحصول على النجاح، وربما في وقت متقدّم يكون هناك شركة، ويكون هناك مدير تنفيذي – CEO للشركة.
القادة الحقيقيون لا يهتمون كثيراً بالألقاب ولا المسميّات، القادة الحقيقيون في المشاريع يعملون أكثر من التابعين، وعندما يكتسبون الخبرة اللازمة يرسمون الطريق للمتابعين لكي يكملوا هم الطريق على وعى وفهم، ويكون دور القائد في المشروع حينها هو أن يساعد الفريق للنجاح، ويعمل بدلاً منه إذا لزم الأمر حتى تتضّح للأمور للجميع، ويستطيعوا السير بنجاح كما فعل هو.
تعاملت مع الكثير من أصحاب الشركات وأعرف كيف يبدو صاحب الشركة الناجح من الفاشل، من أبرز سمات صاحب الشركة الفاشلة أنه يبدو مدمن للألقاب والسلطة، و ينتظر أي فرصة لإخراج كارت شخصي يخبرك بأن هذا الشخص هو مؤسس شركة كذا أو المدير التنفيذي لها، في حين أن أصحاب الشركات الناجحين يملئهم الشغف للعمل والعمل فقط، ولا تجد هناك فارق جوهري في العمل ما بين القائد والتابع من ناحية التضحية، بالعكس فمؤسس المشروع يكون لديه من الحماس والشغف ما يجعله يتقن كل شيء يفعله، ويتحمس له، وهذا الحماس ينتقل كالعدوى إلى باقي الفريق.
بعد هذا المشروع وغيره عرفت أن قوة الفريق ليس في عدده، بل في تنظيمه وقوة تماسكه، إذا كان لديك 5 متماسكين، كل فرد في الفريق متحمس ويعرف دوره جيداً ويؤديه بشغف وحماس وإتقان أفضل من 10 لديهم وقت فارغ كبير ولا يعملون بكفاءة..
هذا ربما يستلزم بأن يقوم مؤسس المشروع بكثير من الأدوار في وقت واحد، حتى لو كان هذا في البداية، لكن هذا الأمر سوف يساعد الفريق ككل بعد ذلك، وسوف ينمو مشروعك مع الوقت بشكل منظّم وصحيح.
خرافة أن عمل صاحب البيزنس سهل وأن البيزنس أسهل من الوظيفة، هي واحدة من ضمن خرافات عديدة عن البيزنس الخاص، وقد كتبت عنها مقال هام هو ١٠ أشياء إعرفهم قبل أن تبدأ البيزنس الخاص.
بحث السوق وتطوير المنتج
لا يوجد سر خاص بكيفية نجاح الشركات الخاصة والمشاريع الناشئة. السر هو أن تقرأ كل شيء في التسويق وتطبيقه بطريقة صحيحة لتنجح. لكن في رأيي هناك نقطتين لو اتبعتهم الشركات ففي الغالب سوف تنجح نجاح كبير، وفى أسوأ الأحوال سوف تستمر لفترة معقولة من الوقت. النقطتين يتمحوران حول بحث السوق واحتياجاته بدقة، ثم تطوير منتجات وخدمات لتغطي احتياجات السوق.
أول هذه النقاط تتعلق ب البحث التسويقي، وتحديد احتياجات السوق بدقة، هذا سوف يكون بهدف تطوير مشروع يقدم منتجات يحتاجها الناس! بمعنى أنك لا تعمل في السوق لتستمتع فقط أو قتل الوقت، انت تعمل لتحقق الأرباح بإشباع احتياجات الناس.
سريعاً اخبرك بان النقطة الاولى مرتبط بها نقطة اخرى قد تبدو غريبة لكثير من الناس.. عندما تقدم خدمة يحتاجها الناس، احرص على أن تكون خدمة يفهمها الناس أيضاً!
لقد طورت بنفسي أفكار تجارية كنت أحسبها عبقرية، وعندما تقرأها في إطار نموذج عمل مكتمل سينبهر بها الكثير، لكن المشكلة معي كانت في التنفيذ، من سيفهم هذه الفكرة! أنت لا تتعامل مع عباقرة تسويق، انت تتعامل مع أشخاص من كل الخلفيات والمؤهلات المختلفة، إنهم مستهلكون ومشترون يريدون منتجات تشبع حاجتهم ببساطة وبدون تعقيد، يريدون خدمة تنفعهم بدون أن يفكروا كثيراً في كيفية استخدامها. ربما نفتح لهذه النقطة مجالاً بالتفصيل لاحقاً.
من المهم أن تفهم منتجك بشكل فني، بكل الخصائص فيه – Features، لكن يجب أن تفهم وتعرف كيف تحول هذه الخصائص لمزايا ومنافع – Benefits، يفهمها الناس، لا يكفي مثلا أن تأتي بأفضل خامات مستوردة للملابس التي تصنعها، بدون أن تتأكد أن هذه الخامات سوف تكون مريحة – أو فاخرة – للزبون، وتستطيع أن تحول ذلك في رسائل تسويقية سهل إيصالها لشريحتك المستهدفة.
النقطة الثانية في رأيي لكي تنجح الشركات في الأسواق الصعبة، هي أن تضع جهدها في تطوير المنتج أو الخدمة التي تقدمها. في رأيي أن الشركة التي تقدم شيء تحبه وتقتنع به، سوف تبدع فيه، وسوف تضع كل طاقتها من أجل إنضاج عملها باستمرار.
أقول ذلك وأركّز عليه لسبب بسيط، وهو أن الشركة إذا نقصها الإمكانيات التسويقية والترويجية فيظل لديها سبب آخر للنجاح وهو عملها المتميز الذى سوف يجعل الكثير يحبون ما تقدمه و سوف ينتقل الأمر من مجرد الاعجاب بما تقدمه الى مرحلة أقوى وأخطر هي مرحلة التسويق بالمديح –word-of-mouth marketing، ياله من أسلوب تسويقي هذا الذي يجعل المشترون أداة ترويجية جبّارة تعمل من أجلك ليل نهار!
على سبيل المثال، ومن النماذج التي أفكر كثيراً في نجاحها هو الكولونيل الذى اخترع (توليفة) لطبخ الدجاج، ثم تحول الأمر لمجموعة هائلة من السلاسل تحمل اسم KFC، فيما بعد كان لكنتاكي جهود ترويجية كبيرة، وهم يصرفون اموالهم بشكل بالغ من أجل تقوية العلامة التجارية – branding، وفى استخدامهم ل ميسي وكريستيانو رونالدو دليل على ذلك، ولكن انا اتكلم عن المرحلة الأولى.
كيف انتشر هذا المنتج، إنه انتشر بفعل وصفة أو بفعل منتج مميز، دأب الرجل على تطويره باستمرار وباستمتاع على ما أعتقد. وكانت النتيجة أن المشترين قد انتبهوا وبدأوا تسويقهم بالمديح، هذا ما أقصده ببساطة.
كثير من الشركات تكتفي بمرحلة التطوير الأولى للمنتج، وتنسى أنها في حرب شرسة مع منافسين لا يرحمون في السوق! عليك أن تطور المنتج أو الخدمة التي تقدمها باستمرار لكي تثبت موقعك الذهني في السوق ولا تخسره لأحد من منافسيك.
يقول بيتر دراكر جملة رائعة أراها كافية لنجاح أي شركة وهي أن “البيزنس له وظيفتين فقط: الابتكار والتسويق”.
التحرك المستمر من أجل النمو والاستمرارية
هذا هو السؤال الذي يجب أن يسأله لنفسه كل مبادر بمشروع خاص او صاحب او مدير تسويق لشركة. الأمر كله متعلق بالمرونة والتقدم دائماً.
لأينشتاين مقولة عبقرية مفادها أن “الحياة مثل ركوب الدراجة الهوائية، يجب لتحفظ توازنك عليها أن تظل تتحرك”.. تماماً.. هذا هو حال الشركات في السوق!
يجب على الشركة إذا أرادت الاستمرار في السوق ان تتحرك بشكل دائم، حتى لو لم يكن ذلك في الاتجاه الصحيح تماماً، لا يوجد فى الأساس اتجاه صحيح تماماً!
شركة آبل – Apple نفسها تُعتبر من الشركات التي قدمت العديد من الاختراعات التي لم تنجح، لا يغرك نجاحها في السنين الأخيرة بشكل مذهل، أعتبر ان سر وقوة آبل في أنها تستمر في التحرك بصرف النظر عن الظروف، التزامها تجاه الإبداع والابتكار مذهل!
إذا أرادت الشركة أن تتحرك باستمرار، فالحماس لا يكفي، يجب أن تدمج الحماس مع التخطيط، والتخطيط يبدأ من إدارات بحث وتطوير Research and Development غاية في القوة، هدفها أن تكون الشركة على استعداد دائم للابتكار والإبداع، بصرف النظر عن وضعها حالياً، ووضع وظروف السوق، يجب أن تكون مستعدة دائماً، بالأخص بما يفيد ويشبع احتياجات المشترين، وبما يفاجئهم ويبهرهم أيضاً.
إدارة البحث والتطوير هي جزء من قصة الشركات المتحركة، ويتعلق بهذا الجانب ايضاً، بحوث السوق، وبحوث السوق هي مكملة لعمل إدارات البحث والتطوير.
البحث والتطوير علاقتهم الأساسية في الشركات يكون بتطوير الاختراعات وابداع الجديد من المنتجات، وبحوث السوق تتعلق بالتحضير الجيد للنجاح في السوق بهذه الاختراعات والابتكارات الحديثة.