الاستراتيجية والتخطيط

السر الأول لنجاح الحملة التسويقية

ذكر كونراد ليفنسون في بداية كتابه Guerilla Marketing 16 أساس لنجاح الحملات التسويقية، وجاء على رأس هذه الأسس لنجاح الحملات التسويقية الالتزام – Commitment.

ولكي يثبت كونراد وجهة نظره، قص حكايته مع مارلبورو..

(* كتاب جوريلا ماركتينج – Guerrilla Marketing هو أحد أشهر كتب التسويق تم كتابته سنة 1984 عن طريق كونراد ليفنسون. جوريلا تشير بالاسبانية لحرب العصابات وسبب التسمية أن الشركات الناشئة – طبقا للتسويق بالجوريلا – تستطيع أن تستخدم طرق مبتكرة ومتمردة على التقاليد التسويقية من أجل الوصول لأهدافها، وهذه الطرق المبتكرة تساعدها على أن تنتصر أمام المنافسين الكبار ذوي التنظيم، وذلك شبيه لما تفعله العصابات في حروب الشوارع ضد الكيانات المنظمة. تم تعديل وتحديث الكتاب مؤخرا ليناسب التحديثات التي طرأت على التسويق.)

نعود لقصة كونراد ومارلبورو..

كان كونراد يعمل في وكالة إعلانية مقرها ولاية شيكاغو الامريكية، وجاءه زبون يطلب حملة ترويجية، هذا الزبون هو مارلبورو، براند السجائر الأمريكية، والتي كانت مشكلتها كالتالي..

أولا كانت تحتل مارلبورو في ذلك الوقت المرتبة 31 على شركات التبغ الأمريكية، وثانيا الارتباط الذهني في عقول الأمريكيين أن مارلبورو سجائر نسائية – Feminine (في بداية الستينات كان عدد السيدات اللاتي يشربن السجائر أكثر من الرجال، على الرغم من أن الرجال يشربون عدد أكبر من السجائر).

ارتكزت حملة وكالة كونراد ليفنسون على فكرة واحدة، وهي إظهار الريف الأمريكي وظهور رجل أمريكي شهير سيعرف ب Marlboro Man فيما بعد، وهو راعي بقر – Cowboy، سوف يظهر في كل حملات مارلبورو الإعلانية، وذلك بهدف ربط السجائر بالرجال وليس السيدات.

كانت الحملة ترتكز على تصوير الطبيعة الريفية مع خيول و راعي بقر، وتم التصوير في مزرعة بولاية تكساس.

استخدمت الوكالة الإعلانية تاج لاين للحملة (تعالى الى حيث يوجد المذاق، تعالى الى ريف مارلبورو).

وافقت الشركة المالكة لمارلبورو – Philip Morris – على الفكرة، و قررت صرف 18 مليون دولار عليها، وإذا فكرت في الرقم، مع العلم أننا في الستينات حينها، سوف تجد أن الرقم خرافي، و تم استخدام رمز رجل – راعي البقر – والمشهد الريفي في كل الإعلانات والتي بدورها انتشرت في كل الوسائل الإعلانية المتاحة بداية من التلفزيون والراديو وصولا للافتات الإعلانية – Billboards.

استخدمت مارلبورو راعي
استخدمت مارلبورو راعي البقر الشهير وتاج لاين : تعالي الى حيث توجد النكهة.. تعالى الى ريف مارلبورو

على مستوى النتائج، فقد انتشر رجل مارلبورو – راعي البقر – بشكل غير مسبوق، لدرجة أنه أصبح أيقونة شعبية في أمريكا، وهذا طبيعي جدا مع الترويج والإعلان المكثف المرتكز على 18 مليون دولار!

في ذلك الوقت لم يعرف أحد العلاقة ما بين التدخين وسرطان الرئة والمشاكل الصحية التي تسببها السجائر، وبالتالي كانت الإعلانات عن السجائر مسموحة.

بعد مرور سنة، و بعد انتشار راعي البقر و النجاح الظاهري للحملة، عادت الشركة لترى النجاح الفعلي في السوق فكانت المفاجأة، مارلبورو مازالت في المرتبة ال31 على مستوى شركات السجائر، ومارلبورو مرتبطة بالسيدات وليس الرجال!

يقول ليفنسون أن الآن مارلبورو – على مستوى شركات السجائر – هي البراند الأول في أمريكا وسط الرجال، وأيضا هي البراند رقم واحد وسط السيدات، وهي البراند الأول في أمريكا والأول عالميا، ومن بيع كل 5 سجائر تباع في العالم، سيجارة واحدة مارلبورو، ويعتبروها أنجح تسويق تم لمنتج.

يقول كونراد أن السبب في ذلك، وبطل القصة، هو الرئيس التنفيذي لفيليب موريس، جوزيف كولمان.

عندما دخل كونراد ليفنسون وفريقه وهم في غاية الأسف والخزي على الرئيس التنفيذي كولمان، لأن الحملة لم تعطهم النتائج التي كانوا يرجونها، سواء من ناحية الترتيب في السوق، أو من ناحية رغبتهم في تغيير الصورة الذهنية للسجائر بأنها خاصة بالسيدات، رد عليهم جوزيف كولمان “أنتم قلتم يا شباب أن هذا يحتاج لوقت، وأنا استطيع الانتظار”.

بالتالي لم تغيّر الوكالة الإعلانية أي شيء في الحملة بل استمرت على نفس الفكرة، فكرة راعي البقر وريف مارلبورو، ومع الاستمرارية والالتزام والوقت، بدأ يحدث التغيير.

ثم قال ليفنسون جملته العبقرية..

التسويق المتواضع مع التزام أفضل من التسويق العبقري بدون التزام

قصة كونراد تؤكد لي الاستراتيجية التي نتبعها دائما في الترويج والإعلان، وهي استراتيجية التكرار (عذرا لكن أحب تسميتها الزنّ) بمعنى أنك تكرر رسالتك كثيرا على زبونك المستهدف حتى يبدأ سلوكه الشرائي يتغير، وهذا ربما يحتاج لشرح طويل، لكن باختصار الآن.. المشتري لا يأخذ قرار الشراء بهذه السهولة، لكنه يمر بمراحل أهمها أن يتم لفت نظره للمنتج – Attention، ثم يثار اهتمامه تجاه المنتج – Interest، ثم يدخل في مرحلة الرغبة – Desire والتي ربما تدوم لفترة، قبل أن يأخذ قرار الشراء – Action.

لذلك أقول للمتخصصين في المجال، عدة إعلانات (صغيرة حجما أو قيمة) تذهب لنفس الزبون، أفضل من إعلان واحد (كبير حجما أو قيمة) يذهب له، لأننا في النهاية نهتم بالتكرار – Frequency في الحملات الإعلانية ونعتبرها سر مهم من أسرار نجاح الإعلان والترويج.

باختصار.. يقول لك ليفنسون إن كل ما تفعله في الترويج سوف يضيع في الهواء إذا لم تمتلك الصبر والاستمرارية والالتزام تجاه حملتك، هذا لا يمنع أن تقوم بالتعديل إذا شعرت أن هناك خطأ بالحملة، لكن النصيحة هنا هو أن تفهم كيف تأتي الحملات الترويجية بالنتائج، أن الحملات التسويقية تأتين بالنتائج والنجاح عندما يتم دمجها بالاستمرارية.. والالتزام.

حسام حسان

صاحب موقع التسويق اليوم وشركة فيركسام للتسويق، وصاحب 7 كتب من ضمنهم الماركيتنج بالمصري، وماركتينج من الآخر، والبيع الصعب، مع خبرة عملية لأكتر من 10 سنين في التدريب والتسويق لشركات في مختلف المجالات داخل وخارج مصر.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى