-->

كيف تستخدم النوستالجيا فى التسويق؟

من أكثر الأشياء المثيرة للانتباه مؤخراً هو لعب الشركات على الوتَر العاطفى لدى الناس، خصوصاً جيل الثمانينات والتسعينات من القرن الماضى، تحاول الشركات ربط منتجاتها بذكريات جميلة لدى الناس فى حقبة هى من أهم الحقب فى رأيى لأنها كانت بداية الانفتاح بين دول العالم وشعوبها، وبداية ثورة التكنولوجيا. 

سأستخدم فى هذه التدوينة كلمة شائعة هى نوستالجيا - Nostalgia وهى تعنى ببساطة رغبة الناس فى ان يعيشوا فى زمن مضى، وهو مالن يحدث بالطبع، فيصيبهم هذا التذكر ببعض السعادة، وربما بعض الاكتئاب فى أوقات أخرى.

لن أترجم الكلمة بل سأستخدمها حرفياً كما هى لأن كلمة نوستالجيا هى كلمة مشتقة من كلمتين يونانيتين فى الاصل هما (nóstos) وتعنى العودة إلى الوطن، وكلمة (álgos) وتعنى الألم، وقد استخدمها احد الأطباء فى القرن ال17 ليصف معاناة وقلق المرتزقة السويسريين اثناء حربهم بعيداً عن الديار. أى ان هذا المصطلح طبياً يميل لكونه شئ يدل على الاكتئاب والالم لرغبة احدهم فى ان ينتقل اى زمان او مكان يحبه ولا يستطيع ذلك. لكن الآن هذا المصطلح سوف يعبّر عن واحد من أقوى الأساليب التى تستخدمها الشركات، بل ويستخدمها الكثير الآن خصوصاً على شبكات التواصل من اجل اثارة بعض الذكريات القديمة الرائعة.

مايكروسوفت والنوستالجيا

عدد كبير من الشركات حاول تذكرة الناس بالماضى وربطهم بمنتج او خدمة الشركة بشكل عاطفى ايجابى، بيبسى تنتهج هذا الخط العاطفى منذ ثلاثة سنوات تقريباً فى اعلاناتها فى رمضان.. لكن دعونا نعود إلى الأصل، الى واحد من أكثر الاعلانات العبقرية التى - فى رأيى - بدأت بها مايكروسوفت حقبة استخدام النوستالجيا فى التسويق والاعلان.



دعونا نحلل هذا الاعلان ببساطة..
مايكرسوفت تمتلك واحد من أسوء المتصفحات الإلكترونية - Browsers من ناحية البطئ بالتحديد، وارادت ان تخرج بفكرة اعلانية مبتكرة للترويج للنسخة الأحدث من متصفحها، ففكرت فى ان تربط الناس بذكريات رائعة فى الصغر، وملخص الاعلان يقول انك قد لا تتذكرنا، ولكننا تقابلنا من قبل (فى التسعينات)، ثم تبدأ فى تذكرة المشاهد بكثير من الذكريات الرائعة فى التسعينات،  وتختتم الفيديو الاعلانى بأنك نضجت وهى الأخرى (مايكروسوفت) نضجت، وكأنها تعتذر عن سوء متصفحها وتعد بأنها كبرت ونضجت وأصبحت أفضل !

من أفضل اللمحات فى هذا الإعلان هو أن معظم الذكريات تشَاركها جيل التسعينات حول العالم، اى أنك من خلال الإعلان تكتشف انه ليس أنت فقط من استمتع بهذه الألعاب والذكريات، بل معظم الأطفال حول العالم تشاركوا نفس المتعة!

إن هذا الإعلان لم يكن مجرد محاولة من مايكروسوفت بل فى رأيى إنّه إعلان مؤسس لفكرة استخدام النوسالجيا فى الإعلانات، و يوضح مدى تأثير الفكرة على المشاهد. ولكن يظل السؤال.. لماذا تستخدم النوستالجيا بالتركيز خصوصاً على جيل التمانينات والتسعينات.

نوستالجيا جيل الثمانينات والتسعينات

الإجابة بسيطة جداً، وهى أن هذا الجيل هو ما يشكل القوة الشرائية الأكبر الآن. هذا الجيل أغلبه فى العشرينات الآن، وهذه الفئة هى التى تستهلك المنتجات والخدمات، لأكثر من سبب، من ضمن هذه الأسباب ان سنهم هو سنّ الانطلاق والحماس وتجربة الاشياء، وأضف إلى ذلك أن هذا السن مدعم باستقلالية مادية، فهم يملكون المال لشراء جميع ما يحتاجون من المنتجات والخدمات، ولنكن ادق تسويقياً، فهو السن الأكثر استهلاكاً للمنتجات الاستهلاكية سريعة التحرك - FMCG مثل الاطعمة والمشروبات، ثم ضف عليها الملابس.

لأن هذه الشريحة كبيرة، وربما تكون هى أهم شريحة فى الهرم الاستهلاكى للمنتجات والخدمات، فالشركات الآن تفكر فى استهدافهم بطريقة مبدعة، وهى ان تربطهم بزمان وذكريات قديمة، وسوف تحاول الشركات وضح اقصى طاقة من السعادة فى هذه الذكريات، كل هذا ينعكس على الصورة العاطفية الايجابية جداً لدى الناس عن المنتج.

أفكار تجارية قائمة على النوستالجيا

فى دوراتى التدريبية نحاول ان يكون الهدف من الكورس مشروع تجارى عبارة عن منتج او خدمة، لكى يصل المتدرب الى مرحلة تطبيق ما درسه فى التسويق بشكل عملى. فى الفترة الأخيرة بدأت اجد حماس من المتدربين لكى تكون خطة التسويق العملية التى سنطبّق عليها الكورس هى لأحد المنتجات القديمة التى أحبها الناس خصوصاً فى التسعينات، هناك امثلة كثيرة جداً على هذه المنتجات من ضمنها اللبان السحرى، ومشروب كراش، وجيلى كولا، وشيكوبون .. منتجات كثيرة تربط الناس بذكريات رائعة فى الماضى، ويكون التحدى الأكبر لمطوّر مثل هذه الخطط التسويقية ان يستهدف الشريحة المناسبة بمنتج ذو جودة عالية، وينتظر نصيب سوقى كبير ومبدأى من هؤلاء المبادرين المتشوقين لأى منتج من رائحة زمان!

اليوم رأيت اعلان لفيلم لآدم ساندلر اسمه Pixels يروى بشكل كوميدى ان انه فى محاولة العلماء على الارض التواصل مع العالم الخارجى فى الفضاء، قد أرسل هؤلاء العلماء بعض الالعاب الالكترونية (فى حقبة التسعينات) وسط ما ارسلوه من بعض الاشياء لتعريف العالم الخارجى بنا، فيبدو ان غرباء الفضاء قد رؤوا هذه الألعاب بشكل عدائى فصمموا وحوش الكترونية على شكل هذه الألعاب، حيث تغزو الأرض وتهاجم البشريين! الفيلم لا يبدو انه على جودة عالية من التنفيذ وربما لن يحقق الانتشار المطلوب، ولكن الرائع يظل فى ان هناك من يستخدم النوستالجيا بطرق مبدعة للغاية لاستهداف الشريحة الأكبر من السوق وهى شريحة الشباب.



ما مدى قوة النوستالجيا

بعيداً عن التسويق لن تخبو النوستالجيا وتأثيرها على المدى القصير، من ضمن الأسباب لذلك هو مدى التعقيد الذى وصل له العالم الآن بين حروب وازمات اقتصادية طاحنة، وتطاحن بين الثقافات. كلها عوامل جعلت الناس ترى فى النوستالجيا ملجئ يشعروا فيه ببعض السعادة المؤقتة. يوجد بعض الحملات الطريفة التى كانت تلعب على فكرة نوستالجيا ايضاً مثل تصوير الاشخاص بنفس الاماكن وبنفس الملابس التى استخدموها فى صورهم القديمة! هذه الحملات وغيرها تحقق انتشار خصوصاً على شبكات التواصل وهذا يعكس قوة النوستالجيا.

أما على الجانب التسويقى، أعتقد أن الناس تملّ الشئ إذا زاد عن حده، وهذا ماتفعله الشركات للأسف انها تعيد وتكرر فى نفس الفكرة حتى تفقد الفكرة قوتها. لكن رأيى الشخصى ان نجاح الفكرة قد يكمن فى ان تتجاوز النوستالجيا افكار الاعلانات والحملات الترويجية، لتأخذ منحى آخر يكمن فى توظيف المنتجات و أشكالها و طرق تصميمها وتغليفها لتخدم فكرة النوستالجيا، على سبيل المثال هناك سيارات قديمة مميزة بأشكالها العتيقة المغرية لمحبى السيارات، دعونا نقول جران تورينو مثلاً، مثل هذه السيارات قد يتم دمجها شكلاً مع السيارات الحديثة فتخرج لنا سيارات رائعة تذكّر الناس بالماضى. يمكنك ايضاً ان تستخدم طرق تغليف قديمة للمنتجات بحيث تذكرهم بالماضى، هناك أمثلة كثيرة جداً لذلك، كلها تقع فى اطار ابداع الشركات فى اخراج منتجات تستغل فكرة النوستالجيا..

هناك تعليقان (2):