الاستراتيجية والتخطيط

المربع التسويقى الذى لا ينجح .. وعلاقته بحروب الأسعار

رأيت فى التدوينة السابقة ان الشركات يجب ان تطور لنفسها استراتيجية عامة للصورة الذهنية لها، يجب ان تظهر فى عقول الناس انها مميزة عن المنافسين، إما من جهة المنافع والمزايا التى يحصل عليها المشترى – Benefits، أو من جهة السعر الذى يدفعه من اجل الحصول على هذه المزايا والمنافع – Price.

تحدثنا عن المربعات الناجحة، ولكن ماذا عن هذا المربع التسويقى الذى رأيناه فى الجدول الخاص بالاستراتيجيات العامة
لتكوين الصور الذهنية، انه ذلك المربع فى الوسط، والذى لا نعّده فشل للشركة اذا عملت به، ولكن فى نفس الوقت، لا يمكن بأى حال اعتباره نجاح تسويقى للشركة!

%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%85%D9%88%D8%B0%D8%AC+%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85+%D9%84%D8%AA%D8%B7%D9%88%D9%8A%D8%B1+%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D8%B1%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%87%D9%86%D9%8A%D8%A9

ان هذا المربع معناه ان الشركة تقدم نفس المنافع التى يقدمها المنافسون، وبنفس السعر.. هل يبدو الأمر منطقى؟

لأول وهلة، ومن وجهة نظر تسويقية بحتة، فإن هذه المعادلة لا يمكن أن تساعد صاحبها، فكيف لشركة تنافس بنفس الادوات والمزايا التسويقية التى يملكها بالفعل المنافسون، ثم تجدها تتفوق وتنجح، اين المعايير التى سيختار على أساسها المشترى؟ اين المزايا التى، من قوتها، سوف تتحول فيما بعد لعلامات مهمة للمنتج او الخدمة والشركة التى تقدمهم، وبالتالى تتكون صور ذهنية مميزة لدى الشركة، وبالتالى علامة تجارية قوية – brand.

ولكن من قال ان الجميع يسير بالمنطق التسويقى! ان الامر يسير بشكل عشوائى كبير، ولن اقول هذه المرة فى بلادنا فقط، ولكنه الحال فى اى مكان و زمان لا يتم فيه دراسة التسويق وتطبيقه بشكل صحيح.

قبل ان ندخل سريعاً فى تحليل تسويقى منطقى جداً لخطر العمل فى هذا المربع التسويقى الذى نتكلم عنه، اريدك ان تتخيل شركات مثل مرسيدس، نايكى، أديداس، ديلّ، وول مارت، بى آم دبليو، ساوث ويست، آبل، .. إلى آخره من الشركات التى نعرفها جميعاً ونحفظ اسمائهم، هل كانت هذه الشركات ستصل اسمائها لنا، وسوف تحافظ على هذه العلامات التجارية القوية والغنية بالمميزات والصور الذهنية المحددة الدقيقة، اذا كانت تنافس فى هذا المربع فى الوسط، وتقدم نفس مزايا المنافسين بنفس السعر؟

الإجابة.. بالطبع لا، ان هذه الشركات قد طورت استراتيجياتها التسويقية فى اماكن مميزة، منهم من لعب على تقديم فوائد اكثر فى مقابل نفس سعر المنافس، ومنهم من نافس بالسعر حتى لو بتقليل الفوائد فى المنتج، .. الخ. ان هذه الشركات اختارات الاستراتيجيات التسويقية التى تناسبها، وبالتالى تفوقت، وحققت الأرباح والعلامات التجارية القوية.

نعود للشركات التى تعمل بالمنطق التقليدى، نفس المزايا بنفس السعر.

ان اغلب الشركات تسير بمنطق (القطيع)، اى ان صاحب الشركة، او اصحاب الشركة، سوف يجدوا ان هناك من فتح مطعم يبيع كذا، ونجح، فسوف يذهب فى شارع قريب ويفتح مطعم يقدم نفس المزايا وبنفس سعر المطعم الناجح، ثم يتوقع انه سينجح!

المثال هنا بسيط، و لكن تطبيقاته العملية فى السوق هى مانراها، ولكى نفهم ما سر الفشل الذى سيحلّ على الشركات من هذا النوع، دعونا نتعرف على مراحل الاستراتيجية التسويقية لديها.

يبدو ان هذه الشركات لا تقسّم السوق، ولا تستهدف شريحة معينة، لأنها لو فعلت لحاولت تكوين صور ذهنية تناسب هذه الشرائح المحددة، ولكن ما تفعله الشركة هو انها تكتشف ان مجال IT مثلاً وخاصة تطوير برامج محاسبية للشركة هو ما ينجح الآن فى السوق، فستقوم بجمع مجموعة من المبرمجين، وتطلق شركتها، وتبدأ المنافسة، ولا تسألنى عن الصورة الذهنية التي طورتها، فلو أن هذه الشركة طورت صورة ذهنية صحيحة لما كان هناك داعى لهذا المثال!

الشركة الآن لا تجد لها مكان مميز فى السوق، هى تنافس فقط، تدرس مزايا المنافسين، فتقدم نفس المزايا، و تتحقق من اسعار المنافسين، فتدفع بخدماتها بنفس الأسعار او اسعار قريبة، هل تعرف ماذا يحدث بعد ذلك؟؟

انها “حروب الأسعار – Price Wars”. وصلت الآن الشركات التي تبيع المنتج بنفس مزايا وسعر المنافسين الى مرحلة عقم تسويقى، المشترى يقف امام المنتجات والخدمات لعديد الشركات، لا يعرف فرق واضح بينهم، نفس المنتج..نفس الخدمة.. نفس طرق التوزيع.. نفس اسلوب البيع..، ماهى المعايير التى سيختار على أساسها؟! نعم.. انه السعر.

ومع الوقت، ومع دخول الشركة في حروب الاسعار، تجد نفسها تبيع، ولكن بأرباح منخفضة، فهى تنافس بشكل شرس للغاية مع المنافسين على نفس خط المزايا والسعر، وتحارب على كل عميل، وكل صفقة، وتضطر لأن تخفض سعرها حتى تحافظ على مكانها، ويضطر المنافس لفعل المثل، وما النتيجة ومن المستفيد؟ بالطبع النتيجة والمستفيد الأول هو العميل الذى سيحصل على عروض ترويجية واسعار مميزة جداً، هذا ببساطة بسبب دخول السوق مجموعة من الشركات المتناطحة، الغير واعية تسويقياً.

%D8%AD%D8%B1%D9%88%D8%A8+%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%B9%D8%A7%D8%B1

ان حروب الاسعار ليست فقط مؤذية للشركة على صعيد الأرباح، بل أيضاً على صعيد تكون علامات تجارية قوية – brands، فالشركات التى تتطاحن فى السعر، سوف تكتسب عملاء لا يهتمون او يأبهون لإسمها، كل همهم سوف يكون الحصول على المنتج الذى يوفر لهم بعض الأموال، مهما كانت قليلة، ولا تُذكر، ولكن اصبحت هذه الكمية الضئيلة من الاموال هى المعايير التى يقيس على اساسه العميل، فى ظل تقديم الشركات له المنتج او الخدمة بنفس المزايا وبنفس حيّز الاسعار.

الخلاصة.. احذر مربع (نفس المزايا.. نفس السعر).. احذر حروب الأسعار!

حسام حسان

صاحب موقع التسويق اليوم وشركة فيركسام للتسويق، وصاحب 7 كتب من ضمنهم الماركيتنج بالمصري، وماركتينج من الآخر، والبيع الصعب، مع خبرة عملية لأكتر من 10 سنين في التدريب والتسويق لشركات في مختلف المجالات داخل وخارج مصر.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى