لازلنا ندرس الحالة الإعلانية
الشهيرة لشركة فودافون وإعلانها – قوة كل واحد – والذى استعانت فيه بالممثل عادل
إمام، ورأيت فى التدوينة السابقة، كيف أن التكلفة العالية التى انتشرت وسط الناس،
وعملاء الشركة، أثرت، أو كادت تؤثر بشكل كبير على الانطباع عن الشركة، وإن كانت هذه
التكلفة العالية التى انتشرت ربما كانت ميزة لو فى حالة منتجات أخرى تدخل فى حيز
من الرفاهية او تخاطب فئة اعلى فى المجتمع.
تدوينة اليوم هى عن سبب آخر من
أسباب فشل الإعلان الفودافونى، ولكن هذه المرة كان السبب نوعاً ما خارج عن إرادة
وتحكم الشركة.
وقت إذاعة الإعلان كان قبل ثورة
يناير المصرية، و بالطبع هناك تاريخ ما قبل الثورة ومابعد الثورة، وعموماً فإن
الإعلانات يكون لها فترة بث على التلفزيون وتختفى، ولكن انا اتكلم هنا عن اختفاء
الإعلان من على الانترنت، او دعونا نقول، عدم انتشاره الانتشار المتوقع له على
الانترنت وفى مواقع التواصل الاجتماعى و أولها اليوتيوب.
اسمحوا لى أن اعطى تفسيرى الخاص
لما حدث، و ذلك من وجهتى نظر، واحدة تسويقية عامة جداً والأخرى نفسية خاصة ربما
بشعوبنا العربية خصوصاً.
الأولى التسويقية هى نظرية بسيطة
تقول بأن مصدر الرسالة قد يكون سبب مباشر فى إيذاء صورة المنتج، ففى أوروبا وأمريكا مثلاً،
كثير جداً من مشاهير الفن والرياضة، والذين كانوا أبطال لإعلانات عالمية لشركات
كبرى، كانوا السبب فى إيذاء صورة المنتجات والخدمات التى وصّوا بها فى هذه
الإعلانات بسبب فضائحهم الاخلاقية ومواقفهم السلبية، والتى لم تؤثر عليهم شخصياً فقط، انها أثرت على
المنتجات التى وصوا بها، وبالطبع ستحاول الشركات فى هذا الوقت سحب الاعلانات التى يظهر بها هؤلاء المشاهير، او
العمل على ان ينساها الناس حتى لا يربطوا المنتج بصور ذهنية سلبية.
ماحدث فى حالة هذا الإعلان، أن
مصدر الرسالة الإعلانية وهو عادل إمام، كان ضد الثورة المصرية، وهو شأنه كشأن الكثير من
أهل الفن والمشاهير فى مصر، و اذا اتفقنا ان الثورة المصرية لاقت التأييد من أغلب الناس فى
مصر، خصوصاً فى مراحلها الأولى وفى أعقابها مباشرة، فسوف يكون من المنطقى ان نفهم
ان عادل امام فى ذلك الوقت هو شخصية غير مرغوبة من فئة كبيرة من المجتمع المصرى
الثائر، وبالتالى تدفع الشركة تكلفة الإعلان الكبيرة بدون عائد فيروسى كبير كانت
تتوقعه من هذا الإعلان.
أذهب إلى النقطة الثانية فى هذا
التحليل، وهى طبيعة الشعوب العربية.
الشعوب العربية تمتلك ميزة كبيرة
قد تتحول الى عيب كبير وخطير ايضاً احياناً، وهذه الصفة او الميزة اننا شعوب عاطفية الى حد كبير، و هذه
ميزة كبيرة فى رأيى، فعلى سبيل المثال، تجد ان هذه الشعوب قوية جداً فى الحروب،
والسبب بسيط، وهو ان الشعب العاطفى عندما يقوده قائد قوى يستطيع ان يجمع شمله، فإن
العاطفة تتحول لطاقة إيجابية كبيرة فى المواقف الصعبة، وبذلك يكون التفوق وقد كان
فى أوقات كثيرة بفضل الله للشعوب العربية على أعدائها.
المشكلة عندما تنظر لهذه الصفة
العاطفية من زوايا أخرى، وهى ان الشعوب العاطفية، وعلى الرغم من انها تُثار بسرعة،
فهى تنسى ايضاً بسرعة.
ماحدث وقت الثورة وأعقابها، من
تأييد للفئة الأكبر من الشعب لحقوقه ولثورته، جعل هناك كره مباغت وكبير لمن هو ضد
الثورة، وبالتالى ففى حالة ممثل مثل عادل إمام، فكان أمامه، وأمام إعلانه العالى
تكلفة جداً، قوتان ضغط: الأولى قوة الضغط الثورية، والثورة تتميز بتعصبها الشديد
وإلا لما كان اسمها ثورة من الأساس، فهى تكون طاقة غضب جارفة، .. وأما العامل
الثانى فهو عاطفية الشعب المصرى الذى كرهت طائفة كبيرة منه هؤلاء أصحاب المواقف السلبية أثناء الثورة وبعد
الثورة مباشرة، وذلك لموقفه من الثورة والثوّار، هذا الضغط الذى خفّ كثيراً بعد
مرور الشهور على الحدث الكبير، فنجد الرجل يخرج بأعماله كأن شئً لم يحدث، و كثير
من الناس نسيت ماحدث، وربما بالمناسبة هذا هو السبب فى ان الكثير من الناس انطفأت
طاقة الغضب والثورة لديهم بعد وقت من الأحداث، والسبب معروف فى رأيى "الشخص
العاطفى يستثار سريعاً، وينسى أيضاً سريعاً"
إذاً فقد كانت الشركة مضغوطة، بسبب
مصدر الرسالة الإعلانية -عادل إمام- من جهتين.. الجهة الأولى هو ان مصدر الرسالة قد
يربطه الناس ربط سلبى مع منتج الشركة (وذلك بسبب موقفه من الثورة)، والجهة الأخرى هى الضغط العاطفى الثورى
الحادث من الشعب المصرى، وبالتالى كانت النتيجة استسلام الشركة، ووضع الاعلان فى أدراج
الفشل، ولو مؤقتاً.
مقال اكثر من رائع فعلا استاذ حسام
ردحذفاشكرك كثيرا علي هذه المدونة التي انارت ذهني في مجال التسويق والذي هو مجال تخصصي حيث استطعت بهذه المدونة والفكر المنظم ان تربط الجانب العملي والنظري الذي تلقيته بالكلية وقد استفدت منه كثيرا في التسويق عبر الانترنت