الاستراتيجية والتخطيط

كيف تخسر أموال ومشترين الآن لتكسب براند وأموال أكبر غداً

قبل أن تعرف كيف للشركة أن تخسر في السوق بإرادتها لكى تكسب لاحقاً، يجب أن نفرّق بين مصطلحين من أهم المصطلحات في الاستراتيجية التسويقية والتسويق عموماً، وهما الصورة الذهنية – Position، والعلامة التجارية – Brand.

الـ Brand هو كل شيء يظهر للناس ويعرفوه ويتذكروه عن الشركة، بداية عن مزاياها التنافسية التي تجذب المشترين إليها، مروراً بالموقع الالكترونى و اللوجو والألوان المستخدمة فيهم، وصولاً لهيئة الموظفين وطريقة لبسهم وكروتهم الشخصية. البراند هو كل ما يأتي في ذهن الناس في السوق سواء جيد أو سيئ، لكن الشركات لا تريد أي صورة سيئة لتظهر عنها لذلك تحاول بكل الطرق إصلاح أي خلل او عيب او شكل سئ عنها في السوق، وهذا هو جزء من مجهودها لبناء البراند.

الـ Position أو مكانة الشركة في السوق او صورة الشركة أمام الناس، المقصود به هو أقوى شيء تتميز به الشركة أمام الناس في السوق، يمكنك فهم الصورة الذهنية بسهولة وسلاسة في مجال السيارات مثلاً، فهناك السيارة الأكثر أمانا – Volvo، وهناك السيارة الأكثر سرعة – Bugatti، وهناك الأكثر فخامة – Mercedes/ Chrysler، هناك السيارة الاقتصادية – Toyota، هناك السيارة المحافظة على البيئة – Prius وهكذا. قوة البراند هو ان يكون لديك صفة ذهنية قوية، تتمحور حولها جميع الصفات الجيدة الأخرى التي تكوّن البراند. هذا ببساطة هو الفرق بين الbranding و الpositioning وهذه هي العلاقة بينهم، الآن أريد أن أخبرك كيف تستطيع أن تخسر (بمزاجك) لتربح بالنهاية.

قانون التركيز

في كتابه الرائع والشهير 22 قانون ثابت لتكوين العلامات التجارية – 22 Immutable
Laws of Branding (اقرأ ملخصى عن الكتاب من هنا) قال Al-Ries أن من ضمن هذه القوانين ال22 قانون يسمى قانون التركيز – Law of Focus، وهو يقول باختصار ان على الشركات ان تركز على صفة ذهنية واحدة قوية أثناء التسويق والترويج، وهذا قانون يمكنك فهمه واستيعابه عندما تراجع قصص كل الشركات الناجحة على مستوى البراندينج في العالم، فغالباً ستكون شركات صاحبة تركيز كبير على صورة ذهنية واحدة تجعلها فريدة في السوق، وهنا أنا لا أتكلم عن شركة ضخمة تحقق أموال وأرباح سنوية كبيرة، لأن هذا ليس مؤشر على البراند القوى، لأنه ببساطة ربما هناك شركة تبيع بعدد أقل كثيراً وتحقق مبيعات وأرباح أقل ومازالت شركة لها صورة ذهنية – position أقوى بكثير من هذه الشركة العملاقة التي تحقق مبيعات ضخمة، أما لماذا هناك شركة تريد بناء بوزيشن وبراند على حساب المبيعات الضخمة، فسأعطيك الإجابة بعد قليل.

نعود مرة أخرى لقانون التركيز، شركة مثل Audi تضع صورة ذهنية لنفسها على انها لديها (تشكيلة) من الصفات القوية – أو الصور الذهنية القوية – الموجودة لدى المنافسين، وهي تعتقد أن هذا يعطيها قوة إضافية، لكن عندما تنظر الى Audi كشخص عادى في السوق وبدون حتى نظرة تسويقية دقيقة، سوف تجد أن شعبية سيارات مثل BMW (التي تحاول وضع نفسها في قالب الرفاهية) و Mercedes (التي تحاول وضع نفسها في قالب الprestige والفخامة) تبدو أكبر من Audi على الرغم من أن Audi قد تكون اعلى كثيرًا على مستويات مثل التكنولوجيا بالسيارة او السرعة او الأمان او غيرها.
مشكلة أودى الحقيقية انها تريد ان تقول ان لديها كل شيء وبالتالي تخسر كل شيء، وذلك كما ذكرنا على مستوى الصورة الذهنية، وهو ما سيؤدى إلى انها تخسر على مستوى البراند، وربما بالتالى – الآن أو لاحقاً – على مستوى المبيعات أيضاً.

حرب إعلانية شرسة بين بى ام دبليو و أودى
حرب إعلانية شرسة بين بى ام دبليو و أودى

كيف تخسر الشركة الآن مقابل أن تربح غداً؟

هناك العديد من الشركات كل يوم تأخذ قرار ان تخسر مؤقتاً مقابل أن تكسب لاحقاً وسأعطيك بعض الأمثلة على ذلك.

شركات مثل Caterpillar – Dodge تركز في استراتيجية الاستهداف الخاصة بها – Targeting على شريحة تتميز بlifestyle فيه قوة وصلابة وخشونة – Ruggedness. هذه الشركات لديها فعلاً القدرة على تطوير منتجات اجمل من ناحية الشكل واللون او الStyle بشكل عام، لكنها لا تفعل ذلك، بالتالى هي تخسر سوق كبير جداً يمكنها كل يوم ربحه أو ربح جزء منه، وهو السوق المهتم بمنتجات تركز على الشكل بشكل أكبر من قوة وصلابة المنتج، لكنها شركات تستعمل قانون التركيز – Law of Focus كما ينبغي وتريد التركيز على شريحة واحدة فقط في السوق وهي الشريحة التي تريد أن تُظهر قوة وخشونة نوعاً ما في استخدامها للمنتجات أو إنها شريحة فعلاً احتياجاتها تتطلب قوة وصلابة ولا تتطلب الاهتمام بالشكل والاستايل.

دودج لا تروّج لنفسها على انها سيارة جميلة ذلك لأن لديها بالفعل شريحة مستهدفة تركز على ميزة اخرى أهم بالنسبة لهم هى القوة والصلابة
دودج لا تروّج لنفسها على انها سيارة جميلة ذلك لأن لديها بالفعل شريحة مستهدفة تركز على ميزة اخرى أهم بالنسبة لهم هى القوة والصلابة

مثال آخر.. في التسويق اليوم نكتب مقالات عن التسويق، ولأن من يدخل على المدونة ربما يكون لديه اهتمامات بأقسام أخرى بالإدارة والبيزنس فهى فرصة جيدة لكى نكسب هذه الشريحة ليرتبطوا بالموقع بشكل أكبر او نكسب شرائح أخرى لتزور الموقع، وبالتالي نكتب مقالات عن الHR او التمويل او إدارة المشاريع او غيرها من أقسام الإدارة، وبعد أن نفعل ذلك ونكسب الزوّار والاهتمام من شريحة اكبر من المهتمين بالإدارة، ماذا سنفقد؟ نعم.. بالتأكيد سنفقد الصورة الذهنية التي نبنيها عن الموقع بأنه متخصص في التسويق، ومع فقدانك للصورة الذهنية، ستفقد قوة البراند، لأن فقدان البراند القوى يكون تدريجي، وهو كما ذكرت لك سابقاً يتمحور حول صورة ذهنية قوية، والصور الذهنية القوية يتم بناءها بقانون التركيز، وليس قانون (تنويعة الصور الذهنية) أو قانون (أنا بتاع كلّه – Jack-of-all-trades) !

لماذا تضحى بشريحة سوقية أكبر من أجل البوزيشن او البراند؟

أولاً يجب ان نفهم ان التسويق هو مجموعة من القرارات التي عليك اتخاذها للنجاح في السوق وليس هناك قرار أصح من قرار آخر، الظروف والمتغيرات كثيرة جداً، لكن بشكل عام هناك استراتيجيتين في السوق تستخدمهم الشركات، هناك شركات تحاول بناء براند قوى جداً والحفاظ على الصورة الذهنية الفريدة والمميزة التي تريد بناءها في السوق عن نفسها، حتى لو كلفها ذلك التضحية بشريحة سوقية أكبر، مثل Apple، وهناك شركات أخرى تعمل أكثر على نموذج Benefits/ Price مثل Samsung التى تحاول كسب اى زبون في السوق وذلك بإعطائه مزايا أكثر من المنافسين وبسعر مناسب، وهذه الشركات تستخدم لذلك طرق كثيرة من ضمنها التسويق المباشر – Direct Marketing، الذى عن طريقه تستطيع استهداف الزبائن بعناية شديدة وتحويل المستهدفين منهم لمشترين فعلاً، و لا يشترط التسويق المباشر لتكون من ضمن هذه الشركات التي لا تهتم بالصورة الذهنية كثيراً، فيمكنك انفاق الملايين في إعلانات تلفزيون لتبيع كثيراً بدون التركيز على الصورة الذهنية المحددة.

الشركات تحاول بناء صورة ذهنية محددة عن نفسها تساهم في بناء براند قوي، لان البراند يكون لديه فرصة أكبر كثيراً في البقاء في الأسواق لفترة طويلة وبثبات وباستمرارية وباطمئنان، لأنه يكوّن مع الوقت شريحة من المشترين – حتى لو كانت أصغر نسبياً – لكنها تتميز بولاء عالى للبراند، و مع الأزمات الاقتصادية مثلاً تقع الكثير من الشركات التي كانت تنافس بنموذج Benefits/ Price وتظل الشركات التي صنعت علامات تجارية قوية موجودة في السوق بل وربما تحقق أرباح أكثر من الأوقات العادية، وذلك ببساطة لأنها قامت ببناء نفسها بشكل صحيح، واستخدمت قانون التركيز – Law of Focus بأفضل شكل ممكن.

الثبات على الصورة الذهنية

ليس المهم فقط ان يكون لديك صورة ذهنية قوية لكن الأهم هو الحفاظ عليها لأطول فترة ممكنة، وذلك عن طريق تطوير المنتج باستمرار في نفس اتجاه الصورة الذهنية التي تريد بنائها، وباستخدام الترويج والاعلان – أيضاً لايصال نفس الرسالة الترويجية التي تخص صورتك الذهنية. إذا كنت تغيّر صورتك الذهنية كل فترة فلن تصل لقوة البوزيشن و لا البراند، لأن الثبات على الصورة الذهنية لفترة طويلة هو سبب رئيسى لتكون أقوى على مستوى الbranding.

هذه المقالات استراتيجية المنتج – استراتيجية الترويج تعطيك فكرة أكبر عن كيفية الثبات على الصورة الذهنية وتقويتها باستمرار.

تغيير الصورة الذهنية

ماذا يمكنك ان تفعل اذا اكتشفت انك بنيت صورة ذهنية خاطئة وتريد تعديلها، أو أن الشريحة المستهدفة – Target Segment ليس كبيرة كافية بما يكفى لتربح من خلالها وتريد ان تركّز على شريحة أخرى من السوق، وبالتالي أنت تحتاج لصورة ذهنية أخرى جديدة؟ في هذه الحالة لديك أكثر من استراتيجية، ممكن البدء من الصفر، و بناء براند بشكل جديد تماماً، أو يمكنك عمل إعادة بناء للصورة الذهنية – Repositioning وهى عملية مجهدة و مكلفة جداً، لكنها تنجح إذا فعلتها بالشكل الصحيح. هنا مقالة عن كيفية تعديل الصورة الذهنية مع حالة عملية من شركة Lucozade.

ملخص هذه المقالة.. بناء العلامات التجارية ليس سهل و أيضاً ربما يجعلك تخسر شرائح سوقية قد تأتى لك بأرباح كبيرة اليوم، لكنك تضحى بكل ذلك في سبيل بناء صورة ذهنية قوية يتمحور حولها براند قوى وثابت في اذهان الناس عموماً وشريحتك المستهدفة خصوصاً، حينها سوف تصل لقوة الصورة الذهنية التي سوف تبنى لك جيش من العملاء المتعصبين لك والشغوفين جداً بما تقدمه من منتجات وخدمات، ولن تضطر لدخول حروب الأسعار مع المنافسين الذين يركزون فقط على موديل Benefits/ Price ويهملون بناء البراند الذى يعطيهم القوة والثبات في السوق، وهذا يعطيك الاستمرارية والثبات والمنافسة من وضع قوة في السوق لن تخاف من فقدانه مع المنافسة الشرسة والمنافسين الجدد، هي نتائج رائعة لكنها تحتاج منك للصبر والمجهود والوقت والتضحية بنتائج كبيرة اليوم من أجل الحصول على نتائج أكبر غداً.

حسام حسان

صاحب موقع التسويق اليوم وشركة فيركسام للتسويق، وصاحب 7 كتب من ضمنهم الماركيتنج بالمصري، وماركتينج من الآخر، والبيع الصعب، مع خبرة عملية لأكتر من 10 سنين في التدريب والتسويق لشركات في مختلف المجالات داخل وخارج مصر.

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى