الاستراتيجية والتخطيط

مقتطفات تسويقية – 4

هناك موضة أكيد لاحظتها فى الفترة الأخيرة.. وهى ان هناك من يضع مشكلة أو حالة سيئة حدثت مع شركة او منتج معين ويبدأ فى سردها بشكل درامى نوعاً ما، و فى النهاية يدفعك لأن تأخذ خطوة Action بعمل share لفضح هذه الشركة.

فى رأيى الشخصى ان معظم الحالات هي فعلاً حالات حقيقية وصادقة من أصحابها، لكن لو انا مكان اى شركة كبيرة لكنت فى رعب فعلاً من قوة Share.

هل تعرف لماذا؟ لأنك عندما تنظر للأمور بنظرة تسويقية ستكتشف الآتى:-

هناك الكثير جداً من وراد فيس بوك من المؤكد انهم يريدون لفت الأنظار وعمل ضجة اعلامية حتى لو على مستوى فيس بوك فقط، بأي هدف كان، ممكن لزيادة المتابعين، او للشهرة، أو لغيرها..وهذا ربما يكون على حساب سمعة شركة كبرى.

تسويق فيروسى

والسبب الآخر.. هو ان الشركات الكبرى تستطيع بسهولة وبطريقة غير اخلاقية فى ضرب بعضها البعض، خصوصاً في الأسواق صاحبة الصراعات الثنائية، مثل نايكى – أديداس ، آيفون – آبل، بيبسى – كوكا كولا.. وهكذا.

لا تعتقد اني اشكك فى قصة ظهرت مؤخراً على فيس بوك من هذه القصص المنتشرة، لكن فقط أريدك أن ترى الأمور فى سياقها التسويقي، ومن وجهة نظر الشركات، و السوق عموماً، وليس من وجهة نظر المشتري المظلوم.

أخيراً اجد ان الحل يكمن فى أشياء كثيرة تستطيع الشركات الدفاع عن نفسها بها، وأولها طبعاً قوة PR او العلاقات العامة للشركة التى هدفها في الأساس هو حماية صورة الشركة واعطائها المصداقية أمام الناس.

تعلّم هذه الصفات من السوريين!!

تركيبة المتابعين على الصفحة هنا هى كالآتى: حوالى 10 آلاف مصرى، وألف ونصف من سوريا ومثلهم من السعودية (الأرقام تقريبية).. ثم يليهم عدد أقل من الامارات والاردن والجزائر وبلاد عربية أخرى. حب السوريين للتسويق ذكرنى بمواقف عديدة أثناء تفاعلى مع أشقائى السوريين فى مصر، سأسرد لك 3 مواقف لكى تعرف ارتباط السوريين بالتسويق وشغفهم ومهارتهم الكبيرة فيه:

موقف (1): كنت اشترى شئ بسيط جداً تكلفته تقريبا جنيه او 2جنيه من متجر يملكه شاب سورى، ولمّا لم أجد حاجتى وجدته بحماس كبير يشرح لى المزايا فى منتجات مشابهة لكي لا أخرج بدون حاجتى التي أريدها! هذا غير متعارف عليه فى مصر، اذا لم تجد المنتج الذي تبحث عنه (خصوصاً لو منتج غذائى بسيط الثمن) فلن يبذل أحد مجهود كبير لاقناعك بشئ ثمنه جنيه او 2 جنيه.. وأعتقد أن هذا سائد عموماً فى العالم. ربما لم اجد هذا التفانى والاتقان فى البيع سوى مع السوريين والصينيين.

موقف (2): كنت أنفّذ مشروع مجلة اعلانية ونزلت لكي أجمع المحلات التي ستضع اعلانات فى المجلة، ولم اجد حماس يطابق حماس الشاب السورى أنس (هو صاحب محلاّت أنس الدمشقى الآن). وجدته يرحب جداً بأى ترويج يساعده فى الانتشار، وفعلاً وجدته بعدها ينفق على اعلانات outdoor!! وهو شئ غريب جداً على محل طعام ناشئ حينها.

موقف (3): لدينا اكله شعبية هى الفول والطعمية (الفلافل). كنت فى اسكندرية وشدنى جداً مطعم سورى يبيع هذه الأطعمة بنفس سعرها السوقى، لكن لو تراه واتقانه فى عمل هذه الاطعمة التقليدية جداً تشعر أنه يقدم أفخم وجبة فى العالم.

كنت استمتع جداً بمشاهدة أصحاب المحل وهم يحضّرون لك وجبتك، ويضيفون لها المقبلات والبهارات التى تجعلها أكلة رائعة الجمال.

هذا ما يجب أن يفهمه الجميع.. يجب عليك تقديم منتج رائع يروّج نفسه بنفسه، وهذا سوف يأتي بإتقانك وحبك لعملك.

كونك مدير أو متخصص تسويق او حتى تهدف لأن تكون كذلك.. وتمتلك عقلية التسويقيين، فأنت مختلف تماماً عن وضع باقي المديرين في الشركة.. وحتى التنفيذيين فى أدوار مرتبطة بالتسويق مثل تنفيذىّ البيع مثلاً.

لأنك تنظر الى البعيد أمام، ولا تنظر تحت قدميك،.. سيتهمونك بالبرود وتضييع الوقت، سيتهمونك بالتهاون وعدم الخوف على مصلحة وأهداف الشركة، سيتهمونك بالتبذير وتضييع الأموال، سيتهمونك بضحالة الفكر وانك كغيرك لا تقدم جديد، .. الخ. لا تعبأ بهم، فأنت تملك رؤية وعليك تحقيقها، سيفهمون فى النهاية

مشكلتى مع هذا الاعلان تسويقية بالمقام الأول.. إن المشكلة تكمن فى ذكر السعر (1 ريال). دعونا نقوم بتحليل هذا الخطأ من خلال النقاط القادمة:-%D8%AD%D8%A7%D9%84%D8%A9%2B%D8%AA%D8%B3%D9%88%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A9

  1. استراتيجية كيت كات – Kit-Kat الحالية هي أنها تقدم منتج ذو كفاءة أعلى وذلك فى مقابل سعر أعلى، فى التسويق نسمّى هذه الاستراتيجية – More Benefits for More Price. معنى ذلك أنه توجد في السوق منتجات مشابهة لكيت كات، ولكنك تشترى كيت كات لأنها مميزة أكثر، وفى سبيل ذلك تدفع ثمن أعلى.
  2. فى البداية تخيلت أن هذه الاستراتيجية تغيرت. بمعنى ان اثناء هذا الإعلان القديم كانت كيت كات هي بسكويت بالشيكولاتة تقليدي، وسعره اقتصادى، لكن هذا غير واضح انه صحيح من خلال الإعلان: أولاً: لاحظ الكلام مكتوب بلغة انجليزية (على الرغم من قدم الإعلان وعدم انتشار اللغة الانجليزية على الأغلفة كالآن)، وهذا يدل انهم مستهدفين لشريحة أعلى من المشترين. وثانياً، الريال الواحد (دعونا نقول من 30 أو 40 سنة) كانت قيمته كبيرة ايضاً. النتيجة هى أن استراتيجية كيت كات لم ولن تتغير، إنها تستهدف شريحة أعلى دخلاً فى السوق. دعونا نقول بشكل أدق يتناسب مع السوق السعودى (كيت كات لا تنافس فى السعودية كمنتج اقتصادي أو قليل الثمن) (*الأشقاء فى السعودية ممكن يصلحوّا لنا هذه النقطة بالذات).
  3. لا توجد شركة فى العالم إلا فى حالات نادرة جداً جداً تستطيع امتلاك جميع عناصر المزيج التسويقي كنقاط قوة، وهذا هو المنطقي فى التسويق. بمعنى أن مرسيدس ستقدّم منتج مميز و دعاية مكلفة على حساب السعر والتوزيع، والعكس منها مثلاً سيارة أوبل او شيفروليه. راجع هذه التدوينة. مهمة جداً لتفهم المزيج التسويقي للشركة، ولماذا نسمّيه مزيج.
  4. إذاً لا يمكن لشركة تفهم تسويق جيداً ان تبرز نفسها فى السوق على أنها مميزة فى المنتج، وتكوّن صورتها الذهنية على هذا الأساس، ثم تحاول إقناعك انك ستشتريها لسعرها المميز. حتى إذا كان هذا صحيح وغير ضارّ على الشركة، فلماذا تفعل ذلك، وهي يمكنها العمل فى مربع أفضل وأكثر ربحاً وقوة من مربعات تكوين الصور الذهنية. راجع هذه التدوينة أيضاً لفهم كيفية تكوين الصور الذهنية.

الخلاصة فى هذه الحالة – من وجهة نظرى – ان ذكر السعر لم يكن مناسب فى هذا الإعلان لكيت كات لسببين أولهما لأنه ليس ميزة فى الأصل (يبدو مرتفعاً فى هذا الزمن البعيد نسبياً)، وحتى بافتراض أن السعر قليل كما يوحى الإعان، فهذا غير مناسب لاستراتيجية كيت كات التسويقية، ولا لمنطق بناء الصور الذهنية والعلامات التجارية عموماً.

حسام حسان

صاحب موقع التسويق اليوم وشركة فيركسام للتسويق، وصاحب 7 كتب من ضمنهم الماركيتنج بالمصري، وماركتينج من الآخر، والبيع الصعب، مع خبرة عملية لأكتر من 10 سنين في التدريب والتسويق لشركات في مختلف المجالات داخل وخارج مصر.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى