الترويج والإعلان

التسويق والتلفاز وكوارث الإعلام!

لم يكن يدرك فيلو فارنسورت – Philo Farnsworth مخترع التلفاز النتائج العالمية التي سيُحدثها بهذا الاختراع العجيب. أن التلفاز من ضمن هذه الاختراعات التى لها بداية، ولكن صعب التنبؤ بمداها وتأثيرها على البشر.philo
أن التلفاز لو فكرت فيه للحظات سوف تجد فعلاً أنه من ضمن هذه الاختراعات التى غيرت ومازالت تغير الكثير من الأشياء في هذا العالم، كان له أهداف بسيطة فى البداية، هذه الأهداف التى رآها الناس غاية آمالهم وأحلامهم بخصوص هذا الاختراع، كانت الفكرة ببساطة هى توصيل نفس الرسالة من نفس المرسل، لأعداد شتّى من الناس..، بل إن الرسالة هذه المرة فى شكل صوت وصورة، وكأنك تجلس مع مُرسلها وتراه وجهاً لوجه.

كانت الرسائل أغلبها إخبارية، وتطورت لتشمل رسائل فنية، و جاءت اللحظات الفارقة التى انتبهت الشركات للموقف ككل، أن هذه الشاشة السحرية لهى الحل لكى تُنفّذ الشركات خططها التسويقية والترويجية بشكل لم يسبق له مثيل.

استطاعت الشركات ان تستغل هذا الاختراع عن طريق الإعلان، والإعلان ببساطة شديدة فى علم التسويق هو اتفاقية بين الطرف المُعلن، ووسيط يلتف حوله قدر من الزحام، هذا الزحام تحتاج الشركة ان توصل له رسالتها الترويجية، فيتم دفع مبلغ للوسيط الذي يملك الزحام، مقابل عرض رسالة الشركة فى مقابل مادى يتم الاتفاق عليه.

لتوضيح أهمية التلفاز في حياة الشركات، علينا توضيح نقطتين تسويقيتين فى غاية الاهمية:
دور التلفيزيون
النقطة الأولى.. هي أن الشركات فى السابق، ومازال الكثير منها الآن ايضاً، يعتمد على 3 مصطلحات تسويقية هم الإنتاج الضخم – mass production ، ويعنى ان تنتج الشركة بكميات كبيرة لتغطى قطاع واسع من المشترين، وتبع هذا المصطلح مصطلح آخر هو التسويق الشامل او الواسع – mass marketing وفيه توجّه الشركة رسالتها التسويقية لكل القطاعات – segments بدون اى تمييز أو تفرقة في طريقة او نوعية او شكل الرسالة، وهذان المصطلحات كانا مقبولين فى الماضي، لأن احتياجات الناس لم تكن معقدة مثل الآن.

وكانت المنافسة بين الشركات أقل كثيراً، فكان المنتج يذهب من الشركة للناس كما هو، بدون تعديلات ترضى الاختلافات بين المشترين، وبدون رسائل ترويجية مناسبة لها.

أدى هذا المصطلح لظهور وانتشار مصطلح تسويقي آخر هو الاتصالات او الترويج المكثّف او الضخم – mass communication، وفيه تعلن الشركة بكثافة وبشكل واسع وشامل لاكبر قدر ممكن من الناس، وهذه المصطلحات الثلاثة لم يعفى عليها الزمن، بل انها مازالت مُستخدمة، خصوصاً المصطلح الأخير، ولكن مع تعديلات، لتصل الرسالة بشكل صحيح وكفأ واقل تكلفة.

النقطة الثانية.. هي أن الشركات كانت، ومازال الكثير منها للأسف، ينظر للتسويق على أنه ترويج للمنتجات. انهم يبدأون رحلتهم التسويقية من ترويج المنتج، وهذا خطأ فادح، لأن الترويج هو مرحلة متأخرة للغاية فى حياة التسويق، أن التسويق يبدأ بتحديد احتياجات السوق، ووضع الاستراتيجية التسويقية والاستهداف التسويقي المناسب، ويمر بإنتاج منتجات وخدمات تلبي احتياجات الأسواق، ويسّعر طبقاً للمعايير التسويقية، ويضع وينفّذ استراتيجية التوزيع، ثم يفكّر بعد ذلك فى الترويج!

لو فهمت الشركات النقطة الأخيرة لوفّرت أموالها التى تنفقها على إعلانات التلفاز، ولوزّعت أموالها بشكل أكثر حكمة على باقى الاجزاء التسويقية الأخرى. فمثلاً لو استهدفت بشكل صحيح، لما طورت رسالة واحدة تهمل الفروق والاختلافات بين المشترين، ولما وضعت كل ميزانيتها الترويجية، بل احياناً التسويقية، فى اعلانات مكثفة بالملايين هباء.

اذاّ .. من الذي سيستفيد من هذه النقاط التسويقية؟ .. بالفعل. انهم نجوم التلفاز، اياً كانوا، و.. الأبرز هنا وهو ما اتحدث عنه فى هذه التدوينة، هما مذيعين ومحاوري الإعلام. هم هؤلاء السادة الذى يحصلون على الآلاف والملايين، فى مقابل ظهورهم على شاشات التلفاز، و إجرائهم و إعطائهم لأخبار حصرية.tv
إنهم رأوا حاجات الشركات التى تريد تطبيق مبدأ الاتصالات المكثفة، وبدأو فى استغلالها جيداً، فبدأوا يفعلون المستحيل من أجل سبق صحفي، أو خبر فيروسى، او حوار مثير، من اجل تكوين مناطق زحام شديد، وهنا فقط يبدأ انتباه الشركة في الذهاب لهذه المناطق المزدحمة بالمتفرجين، فتبدأ الاموال تنهال على المذيع او المحاور صاحب الزحام (يحصل في الغالب المذيع أو المحاور على نسبة من الإعلانات التي تدخل للبرنامج الذي يقدمه).

إن أهداف الشهرة والمجد وغيرها هي أهداف غير واقعية بالمقارنة باهداف الحصول على اموال لا تعد ولا تحصى على حساب المشاهد المسكين، أو على حساب الشركات المهملة تسويقياً. ومن هنا بدأت القنوات فى فعل كل شئ لكى تحصل على الزحام.

لك أن تتخيل برنامج فارغ من الجديد، لا يملك تلك الاخبار الحصرية التي يجري وراءها الناس، كيف له جذب انتباه الشركات؟ بالطبع لن يستطيع، وهنا تبدأ ما تخشاه، أن يلجأ أصحاب ومقدمي البرامج لخلق الأخبار! .. خلق الاخبار والقصص والرويات بل والاساطير ايضاً، انهم يريدون اى اخبار، يريدون ان تظل الحياة مليئة بالأحداث، انسى ذلك الانكسار على وجوههم عندما تشتعل الاحداث من حولهم، إذا كان عليهم، فسيحرقونها بأنفسهم ألف مرة لكي تبقى الدائرة مغلقة ومحكمة، .. إحداث، زحام، اعلانات، اموال فى جيوبهم، على حساب مشاهد مسكين، وشركة مهملة تسويقياً.

هذه هي العلاقة المركبة بين التسويق، والتلفاز والإعلام. لقد تحدثت عن هذا الأمر من قبل بعد أزمة مصر والجزائر التى كادت ان تؤدى لنتائج كارثية بين بلدين هم بلد واحدة فى الأساس، وذلك بسبب طمع بعض الأشخاص والكيانات، واستغلالهم للنقاط التسويقية السابقة، و نصيحتى لك..أن ترتدي منظار التسويق و تبدأ فى رؤية ما لايراه الناس البسطاء، وتوضيح الأمر لهم، حتى لا تسوء احوالنا بسبب أشخاص ماديين، مع تقديرنا واحترامنا لكل من يعمل فى هذا المجال، لأن نوايا اغلبهم صالحة، انهم قليل من يفعلون هذا، ولكن تأثيرهم واضح وكارثى!

حسام حسان

صاحب موقع التسويق اليوم وشركة فيركسام للتسويق، وصاحب 7 كتب من ضمنهم الماركيتنج بالمصري، وماركتينج من الآخر، والبيع الصعب، مع خبرة عملية لأكتر من 10 سنين في التدريب والتسويق لشركات في مختلف المجالات داخل وخارج مصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى